زنقة36_غزة مجيد
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسية للتعبير والتفاعل مع الجمهور. ومع ذلك، تبرز ظاهرة مقلقة تتمثل في سرقة السياسيين لأقوال الفلاسفة والمفكرين واستخدامها على أنها أفكارهم الخاصة. يقوم بعض السياسيين بنشر هذه الأقوال على صفحاتهم في الفيس بوك، مما يوحي للمتابعين بأنها تعبير عن حكمتهم الشخصية ورؤيتهم العميقة.
هذا التصرف ليس فقط غير أخلاقي، بل يعكس أيضًا نقصًا في الأمانة الفكرية والاحترام للأصليين الذين قالوا هذه الأقوال. إن الفلاسفة والمفكرين يستحقون الاعتراف بجهودهم وإسهاماتهم الفكرية التي أثرت على المجتمع على مر العصور. لكن، للأسف، يتم تجاهل هذا الجانب الهام لصالح تحقيق مكاسب سياسية وشخصية ضيقة.
الأسوأ من ذلك، أن هؤلاء السياسيين يتلقون الإطراء والثناء من “أصحاب المرقة” والمتملقين الذين يثنون على “حكمتهم” المزعومة دون معرفة أو اهتمام بصاحب المقولة الأصلي. هذا النوع من التملق يعزز من انتشار هذه الظاهرة ويشجع السياسيين على مواصلة هذا السلوك غير الأخلاقي. إن تمجيد هؤلاء السياسيين على أفكار ليست من تأليفهم هو تشجيع ضمني على الغش والخداع.
مثال على ذلك، يمكننا أن نرى أحد السياسيين في شمال المغرب ينشر اقتباسًا للفيلسوف الألماني نيتشه، مدعيًا أنه يعكس رؤيته الخاصة. يأتي بعدها أحد المتملقين ويعلق: “والله صدقت يا أستاذ، كلامك في الصميم”، متجاهلاً تمامًا أن هذا الاقتباس ليس من تأليف السياسي بل من نيتشه. هذه السخرية تجعل المشهد يبدو كأن المتملقين يشبهون “أصحاب المرقة” الذين يبحثون عن أي فرصة للتمجيد والتملق دون اعتبار للأمانة الفكرية.
إن هذه الظاهرة تشير إلى مشكلة أعمق في الثقافة السياسية الحالية، حيث يسعى البعض لكسب المديح والإعجاب بأي وسيلة ممكنة، حتى ولو كان ذلك على حساب النزاهة والأمانة. من المهم أن يتعلم المجتمع كيف يميز بين الأفكار الأصيلة والمستعارة، وأن يمنح الفضل لأصحابها الحقيقيين.
في النهاية، فإن بناء مجتمع واعٍ يتطلب منا جميعًا أن نكون أكثر انتباهًا وتحليلًا لما نقرأه ونسمعه، وأن نقدر الجهود الفكرية الحقيقية. الاحترام للأصليين والاعتراف بإسهاماتهم ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل هو أيضًا خطوة نحو تعزيز النزاهة والأمانة في حياتنا العامة.