زنقة36_مجيد غزة
لَكِ الله يا مدينتي، يا مدينة الفوسفاط ، كان بودي أن أهنئك بحلول العام الجديد وان أقول لكِ كلُّ عَام وأنت الأجمل والأبهى والأنقى والأكمل، كان بودي أن أقول لكِ كل عام وأنت بألف خير ، كان بودي أن أُكِيلَكِ المديح وأن أتغنى بك في زُهُو كما يفعل العاشقون المتيمون ، وان استعير من نبيل شعيل أغنيته الجميلة ” ما أروعك” لأهديها إليك ، كان بودي أن أقول لمسؤوليك شكرا لكم على كل ما قدمتموه من تضحيات وخدمات لمدينتي الحبيبة، ولكن.. أنَّى يتأتى لي ذلك ؟
فها هو عام مضى وسيتلوه عام آخر، وأنتِ كما أنتِ، تبدين حزينة ، كئيبة ، شاحبة غير سعيدة باستقبال العام الجديد، وفي حلقك غصة ومرارة على حالك ومآلك الذي يصعب على العدو قبل الصديق ، حالك يزداد سوءا بعد سوء وكأني بك تحتضرين ، وكأني بك تدخلين غرفة الإنعاش بعد وصلت مرحلة السكتة القلبية كما قال ذات يوم المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله تراه .
وكأنك تحنين كما يحن أبناءك لماضيك الجميل ، ماضيك الذي يبدو وكأنه أحسن من حاضرك البئيس، أو لم تكوني إلى عهد قريب متربعة على عرش المدن النظيفة والجميلة ؟ او لم تكوني عروسة المدن ؟ فماذا دهاك يا مدينتي الحبيبة؟
وكأن قدرك يا مدينتي أن تظلين على الهامش ، وأنتِ الوَلاَّدة ، أنتِ المدينة التي تختزن في أعماقها ثروة المغرب النفيسة ، وأنتِ المدينة التي أُجْبِرَ خِيرَة شبابها على الرحيل وركوب قوارب الموت مجبَرين لا أبطال ، بعد أن سدت في وجوههم سبل العيش الكريم ، ورغم ذلك ، لم يجْحَدُوكِ ، لم يعاتبوكِ ، لم يتبرءوا منك .. ولم يقطعوا أبدا حبل الوصال معك ..ولسان حالهم يقول ” لْبَرَّانِي عْڭُوبْتُو لَبْلادُو”، لأنهم برغم عاهاتك وعلاَّتك يَعشقونَك .
وَا أسفاه عليك يا مدينتي ، فقد ابتلاك الله بمسؤولين غَرَّتهم الكراسي الوثيرة ، والمكاتب المكيفة وظنوا أنهم فيها خالدون، ونسوا أو تناسوا أنها لو كانت ستدوم لهم لدامت لغيرهم ولمن سبقوهم .
وَا أسفاه عليك مدينتي، لأن مسؤوليكِ أنتِ آخِرُ هَمِّهِم ، وظلام أزقتك لم يحرك فيهم ساكنا ، وطرُقك المحفَّرة بألف حفرة وحفرة لم تشعرهم بأي خزي أو عار ، حدائقك لم تعد متنفسا لنساءك وأطفالهم الفقراء ، بعد أن تحولت أمام أنظار السيد رئيس المجلس البلدي إلى مرتع للمتشردين وملاذ آمن للسكارى وجيل الضائعين ..
لا شئ فيكِ تغير إلى الأحسن يا مدينتي الحزينة ، مند ابتلاك الله بهذا المجلس البلدي العقيم ، وطابعك القروي لا زال لصيقا بك بعرباته المجرورة بالدواب ( الكارو) التي تغزو شوارعك وتجوبها في مشهد يعود بك لسنوات الثمانينات والتسعينات ، وكأن المسؤولين بك اقسموا بأغلظ أيْمانِهم أن يجعلوه ماركة مسجلة باسمك يا مدينتي ، البائعون المتجولون دون حسيب أو رقيب يصولون ويجولون ، هم من يفرضون قانونهم في غياب شبه كلي لدور المجلس البلدي في حماية المِلك العام ، شبابك عاطلون سكانك تائهون ، يفكرون ، يتساءلون في شُجون ، رئيس جماعتنا اختفى مند الانتخابات ، تراهُ أين يكون ..؟
والى أن يستجيب السيد الرئيس لنداء المواطنين ويخرج من مكتبه المكيَّف كي يَتَمَلَّوْنَ بطلعته البهية وهو يتفقد أحوال مدينتي المنكوبة .. الضائعة في الإهمال والنسيان ، الى ذالكم الحين ، دامت لكِ الأفراح والمسرات مدينتي ..وكل عام جديد وأنت وسكانك بألف خير .