إدريس سحنون
في خريبكة، لا شيء يتغير سوى زمن الاجتماع. نفس الوجوه، نفس الكراسي، نفس المسرحية ، ونفس الجمهور الذي لا يعرف إن كان عليه أن يحتج أو ينسحب في صمت. الحبيب لكنوزي، الرئيس الذي استقال ثم عاد وكأن شيئا لم يكن، قرر أن يفاجئ الجميع بسحب استقالته في اجتماع باشوية المدينة. وكأننا في حلقة جديدة من مسلسل “لوصيكا والكرسي الهزاز “، حيث لا أحد يغادر فعليا، بل يبدل موقعه في المشهد.
الاجتماع؟ مجرد عرض مرتجل. لا أحد يعرف النص، لكن الجميع يجيد الارتجال. أسماء مألوفة حضرت، بعضها لا نعرف إن كانت هناك لتصلح أو لتحتج أو لتصفق والنتيجة ؟ لا جديد. فقط تراجع الرئيس عن قراره، وكأننا نعيد بث حلقة قديمة بلا جمهور.
التسيير داخل النادي يشبه لعبة الكراسي الفارغة. كلما اقترب موعد الانتخابات، ظهرت نفس الوجوه، بنفس الخطاب، بنفس الوعود. لا كفاءة، لا مشروع، فقط تدوير أسماء كما تدور القنينات البلاستيكية أو كما تدور السبحة بين أصابع العابد … الفريق يهبط، الجماهير تغضب، والإدارة تبتسم أمام الكاميرات أو تتأسف وتندب حظ الفريق.
وسط هذا العبث، الجماهير وحدها تبدو واعية. رفعت صوتها، طالبت بتدخل المجمع الشريف للفوسفاط، لا كممول فقط، بل كمنقذ حقيقي. لجنة خاصة، تسيير مؤسساتي، محاسبة، متابعة… كلمات تبدو غريبة في قاموس من تعودوا على “الترضيات” و”الترقيع”.
عودة الرئيس المستقيل دون تفسير فتحت الباب أمام تساؤلات لا تنتهي. هل لوصيكا مجرد مسرح انتخابي؟ هل الفريق يدار بمنطق “من حضر فليأخذ منصبا”؟ وهل هناك من يملك الجرأة ليقول إن ما يحدث لا علاقة له بكرة القدم، بل هو عرض هزلي طويل، والجمهور بدأ يشعر بالملل؟
الفريق لا يحتاج إلى مدرب أو لاعبين، بل إلى كاتب سيناريو جديد،إلى من ينهي المسرحية، أو على الأقل يغير نهايتها. لأن النهاية الحالية لا تبشر إلا بمزيد من السقوط… ومزيد من التصفيق للفراغ.
أولمبيك خريبكة سقط إلى قسم الهواة، نعم الهواة،بعد أن كان ينافس الكبار ومع ذلك، مازال المكتب المسير يوزع الابتسامات، ويصدر البلاغات، ويخطط للعودة… دون أن يخطو خطوة واحدة للأمام.
وما فتئت الجماهير تعيش على الأمل، ذلك الكائن الخرافي الذي يقال إنه سيعيد الفريق إلى القسم الثاني، ما زالت تمني النفس بأن هناك من سيستقيل، من سيحاسب، من سيضخ دماء جديدة. لكن الواقع يوحي بأن لا أحد يستقيل إلا ليعود، ولا أحد يحاسب إلا ليكافأ، والدماء الجديدة ترفض لأنها لا تعرف “كود الدخول” إلى كواليس التسيير.
لوصيكا اليوم ليست فريقا، بل حالة نفسية. كل من يحبها يعيش بين الاكتئاب والإنكار، بين الحنين والخيبة. الفريق يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، لا تُجريها لجان المجاملة، بل تجريها مؤسسات تعرف معنى التسيير، وتفهم أن كرة القدم ليست صورا على مواقع التواصل الاجتماعي، بل عمل، محاسبة، نتائج.
فلترفع الستارة إذا، وليدخل الممثلون من جديد، بنفس الوجوه، بنفس النص، بنفس النهاية. أما الجمهور، فليستعد لجولة أخرى من التصفيق الإجباري، لأن في خريبكة، لا أحد يحاسب، ولا أحد يغادر، فقط نعيد تدوير الفشل ونسميه “استمرارية”.
وإن كان المجمع الشريف للفوسفاط جادا في احتضان الفريق، عفوا في دعم الفريق فليبدأ أولا بمراقبة ما يحدث ، وليضع حارسا على باب إدارة التسيير يمنع دخول كل من يعتقد أن كرة القدم تدار بالولاء لا بالكفاءة.
أما من لا يزال يعتقد أن لوصيكا ستعود بالقليل من “النية” و”الدعاء”، فنقول له: الكرة لا تلعب على السجادة الحمراء، بل على أرضية صلبة، تحتاج إلى رجال لا يجيدون التمثيل، بل يجيدون البناء والخلق والابتكار…
فإما أن نعلن نهاية المسرحية، أو نغير طاقمها بالكامل. لأن الجمهور تعب، والملعب فارغ، والنتائج تكتب بلون الهزيمة… ولا أحد يملك الجرأة ليصرخ: كفى عبثا، كفى استهتارا، كفى إدارة تجيد الهروب أكثر من المواجهة.