بقلم: غزة مجيد
كنا ننتظر من مندوب التعاون الوطني فعلًا بسيطًا في شكله، ثقيلًا في معناه: أن يصمت قليلًا، ثم يخرج للرأي العام بقرار مؤسساتي واضح، عبر الإعلان عن لجنة مختلطة لتقصّي الحقائق، كمن يدخل غرفة مظلمة لا ليبرّر ما فيها، بل ليراها كما هي.
غير أنّ الخروج كان مختلفًا؛ خرج بالكلمات بدل الإجراءات، وبالتفسير بدل التقصّي، وكأن الحقيقة شيء يمكن تهدئته، لا البحث عنه. وكأن القلق العام مجرّد سوء فهم، لا سؤالًا مشروعًا يفرضه السياق.
وهنا يطلّ السؤال الذي لا يُحبّ المسؤولون سماعه، لأنه لا يُطرح في البلاغات ولا يُختزل في التصريحات:
هل كان هذا التبرير اجتهادًا فرديًا؟ أم محاولة غير موفّقة لاحتواء النقاش قبل أن يأخذ مساره الطبيعي؟
لأن التبرير، حين يسبق التحقيق، لا يُقنع، بل يفتح باب الشك، حتى وإن حسنت النوايا.
في منطق الدولة، المسؤول العمومي لا يُطالَب بإثبات البراءة، بل بضمان المسطرة. فالنية، مهما كانت حسنة، لا تُغني عن القانون، ولا تعوّض آليات المراقبة والمحاسبة. ومندوب التعاون الوطني، بحكم موقعه، ليس طرفًا في النقاش، بل ضامنًا له، وليس مطالبًا بالدفاع، بل بفتح الأسئلة وترك الأجوبة للمؤسسات المختصة.
ما حدث لا يمكن اعتباره إدانة، ولا يجوز التعامل معه كاتهام، لكنه لحظة كاشفة لطريقة تدبير الأزمات:
كأن السؤال «ماذا جرى؟» أُزيح جانبًا، وحلّ محله استعجال القول «لا شيء يدعو للقلق».
وهنا بالضبط، يولد القلق.
سياسيًا، مثل هذه الخرجات لا تُعيد الثقة، لأنها تُشعر المواطن أن النقاش يُدار، لا يُحتضن.
وقانونيًا، فإن غياب الإعلان عن لجنة تقصّي الحقائق لا يشكّل خرقًا بحدّ ذاته، لكنه يترك فراغًا أخلاقيًا، يجعل الإدارة تبدو وكأنها أقرب إلى الدفاع منها إلى التحكيم.
ومن هذا المنطلق، ومن دون توجيه اتهام، أو إصدار أحكام، نؤكد على مطلب مشروع ومؤسساتي: دعوة السيد العامل إلى فتح تحقيق إداري شامل حول كيفية تدبير وصرف الميزانيات العمومية التي تُخصّص لمؤسسات ومراكز التعاون الوطني.
ليس لأن هناك إدانة، بل لأن المال العام لا يحميه الصمت، بل تحميه الشفافية؛
ولأن فتح الدفاتر لا يعني الاشتباه، بل يعني احترام ذكاء المواطنين وحقهم في الاطمئنان.
نحن لا نتهم أحدًا، ولا ننسب أفعالًا، ولا نستبق نتائج. نطالب فقط بأن تسلك الأمور طريقها الطبيعي: أن تُراجع الأرقام، أن تُفحص المساطر، وأن تقول المؤسسات كلمتها، لا الخطابات.
كان بإمكان المندوب أن يختار الطريق الأسهل، لكنه كان مدعوًا إلى اختيار الطريق الأصدق:
أن يفتح الأبواب، لا أن يغلق الأسئلة؛
أن يسمح للحقيقة بأن تُتعب الجميع، لأن الحقيقة — كما كتب دوستويفسكي — لا تُنقذ أحدًا إلا بعد أن تُقلقه.
أما التبرير، فربما يمنح راحة عابرة…
لكنه نادرًا ما يصنع ثقة دائمة.



