بقلم: غزة مجيد
اعذرونا يا ضيوف المهرجان، أنتم الذين جئتم تحملون أضواء الكاميرات، فجئناكم بنور الشموع. أنتم الذين تحبّون الفن، فجئناكم بفنون التبرير. اعذرونا، فقد خانتنا التفاصيل الصغيرة… تلك التي تصنع الفرق بين مدينة عالمية وقرية تأخرت عن الركب!
اعذرونا لأن النافورات لا تشتغل… فالميكانيك لدينا اختلط بالشعر، والأنابيب بالصمت الإداري. من يُشغّل نافورة في مدينة يُقطر فيها الماء قطرةً قطرةً؟ ومن يسقي المساحات الخضراء، وهي أصلاً صفراء كوجه مجلسنا حين يُسأل عن الإنجاز؟
اعذرونا إن دخلتم إلى المراحيض ولم تجدوا الماء… فالماء هنا طقس موسمي، ومرافقنا العامة، هي بؤر تدريب على الصبر، لا على النظافة. اعذرونا إن استحممتم يوماً باكراً، فالماء، مثل الكفاءة، يفرّ باكراً من هذا المكان.
اعذرونا لو راود أحدكم اشتهاء شواءٍ على الفحم التقليدي… لا تذهبوا إلى المجزرة، فثمة ما يكفي لإفساد شهيّتكم: روائح تختلط فيها دماء الذبائح مع دموع الإهمال، ومساحات لا تليق لا بالحيوان ولا بالبشر.
اعذرونا إن قرّرتم التحرّك من المحطة الطرقية… فالمحطة لا تزال في طور الإنجاز منذ أكثر من أربع سنوات، وكأنها مَعلمة تنتظر إعادة إعمار بعد زلزال. النقل عندنا يشبه الحظ: إن وُجدت وسيلة نقل،متكاملة فاعتبرها معجزة.
اعذرونا إن تاهت خطواتكم بين الحفر والأشغال، وإن تعثرت أعينكم في مشهد عربة مجرورة تمرّ وسط شارع كان يُفترض أن يكون واجهة حضارية. اعذرونا، إن اضطررتم إلى قطع طريق بعيونكم قبل أقدامكم.
اعذرونا إن سألتم عن أماكن للتسوق، فوجدتم الأسواق التقليدية تغرق في الفوضى، والمراكز التجارية تنتظر توقيعاً ما بين دهاليز الجماعة والقدر.
اعذرونا إن صادفكم سائق طاكسي حملكم في جولة غير مرغوبة وسط الأزقة الداخلية، فالشوارع مغلقة والعلامات منعدمة، والتنظيم مغيّب في دفاتر الجماعة كما تُغيّب المحاسبة في لجانها.
اعذرونا، فمجلسنا الجماعي يرى في النية الحسنة مشروعاً تنموياً، وفي التبرير بلاغاً رسمياً، وفي الأزمات فرصاً للصور الجماعية.
هذه ليست مدينة… بل ديكور لمدينة.
هذه ليست أزمة… بل نمط تدبير.
هذا ليس مهرجاناً… بل محاولة مستميتة لتجميل الواجهة، وتلميع الصورة، وتلميع مجلس فقد صورته قبل صورنا.
اعذرونا… ثم اعذرونا… فنحن ضحايا هذا العبث قبل أن نكون شهوده.