زنقة36_غزة مجيد
في لحظة يختلط فيها الحزن بالفخر، ودّعت جماعة أولاد ناصر وسكان إقليم الفقيه بن صالح، ومعهم شخصيات سياسية ووطنية بارزة، أحد أبرز رموز الكرم والوقار في المغرب الحديث، الحاج إبراهيم فضلي، الذي انتقل إلى دار البقاء فجر الجمعة 4 أبريل، عن عمر ناهز التسعين عامًا، بعد مسيرة طويلة في خدمة الوطن والناس، اتسمت بالعطاء والتواضع والمحبة.
لم يكن الحاج إبراهيم مجرد فاعل سياسي أو شيخ برلمانيين، بل كان عنوانًا لكرم قلّ نظيره، ووجهًا مضيئًا لقيم البذل والسخاء. فقد عاش عمره، الذي قارب القرن، مفتوح القلب والباب، يستقبل الضيوف من كل حدب وصوب، ويحول بيته إلى زاوية عامرة بالخير والودّ، لا تنقطع عنها الزيارات ولا يجف فيها مورد العطاء.
والأبلغ من كل ذلك، أن الرجل ظل وفيًّا لخصاله حتى اللحظة الأخيرة من حياته. ففي الساعات الأولى من صباح الجمعة، وهو على فراش المرض بإحدى المصحات الخاصة بمدينة بني ملال، خاطب الطاقم التمريضي من حوله بوصية أخيرة تختزل حياته كلها في جملة واحدة: “اعطيو للناس يتعشاو، تهلاو فيهم”. لم يكن يعلم أنه يودّع الحياة، لكنه كان يعلم جيدًا أن الكرم لا يحده الزمان ولا يبطله الألم. رد عليه أحد الممرضين قائلاً إنه ليس في بيته، بل في المصحة، غير أن الراحل لم يكن يميّز بين المكان والزمان حين يتعلق الأمر بإكرام الناس.
لقد كان رجلًا لا يتردد في فعل الخير، يواسي المحتاج، ويكرم الضيف، ويتحدث بلسان طيب يشهد له فيه القريب والبعيد. تلك الخصال هي التي جعلت جنازته لحظة جامعة، حجّ إليها الآلاف من مختلف مناطق الجهة، يتقدمهم عامل إقليم الفقيه بن صالح، وعدد كبير من المسؤولين المنتخبين والفاعلين السياسيين، في وداع مهيب لرجل لم يعش لنفسه فقط، بل وهب حياته للناس.
بدأ الحاج إبراهيم فضلي مسيرته عقب الاستقلال كعون سلطة برتبة شيخ ، قبل أن يلتحق بالعمل السياسي سنة 1964، حيث انتُخب عضوًا في جماعة سوق السبت أولاد النمة، ثم في جماعة أولاد ناصر بعد إحداثها. تنقّل بين المجالس المحلية والإقليمية، وتقلد عضوية مجلس المستشارين لخمسة عشر عامًا، قبل أن يُنتخب نائبًا برلمانيًا ضمن الولاية الحالية عن حزب الأصالة والمعاصرة، بعد أن كان له تاريخ طويل مع حزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار.
رحل الحاج إبراهيم فضلي، لكن سيرة كرمه ستبقى خالدة. عاش كريمًا ومات كريمًا، وترك لنا إرثًا من القيم النبيلة التي لا تموت.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.