زنقة36_غزة مجيد
في خضم الانتخابات الجزئية التي تشهدها إقليم خريبكة، لا يمكن أن نغفل عن تلك الشريحة الغريبة والمثيرة من المواطنين الذين حوّلوا العملية الانتخابية إلى مشهد يجمع بين السخرية والعبث. هؤلاء المواطنون ليسوا مجرد ناخبين عاديين، بل هم أبطال في مسرحية مليئة بالمفارقات المضحكة والمبكية على حد سواء. تصرفاتهم وسلوكياتهم خلال هذه الانتخابات تعكس واقعًا مريرًا يستحق التأمل والضحك المرير، وسط مشهد سياسي واجتماعي تتداخل فيه الكوميديا بالسخرية.
تجده جالسًا في المقاهي، يتأمل الوضع الانتخابي بكل سخرية، يطلق الانتقادات اللاذعة ويصف المرشحين جميعًا بـ”قردة”. هذا المواطن يعيش في حالة دائمة من المعارضة، ويبدو أن كل شيء لا يعجبه، فلا يتوانى عن ترديد جملته الشهيرة: “والله لا صوت على شي قرد حتى تتصلح البلاد”. إنه الناقد الأبدي، الذي يرى الانتخابات كسلسلة من العبثيات التي لا تستحق مشاركته، وكأن الحل الوحيد هو بقاءه في المقاهي بدل المشاركة في ما يعتبره “مسرحية”.
يتنقل بين المرشحين وكأنه في جولة تسوق في سوق مفتوحة، يتفاوض على صوته بمبلغ بسيط من المال أو هدية عينية، ويحول العملية الانتخابية إلى مهرجان خاص به. بالنسبة له، الانتخابات ليست سوى فرصة للربح السريع، وكأن المشهد برمته يختصر في صفقة رابحة أخرى في سوق التجارة.
أما هذا المواطن فقد تجاوز الحدود، فهو لا يبيع صوته فقط، بل يجمع أصوات الأصدقاء والجيران ويبيعها بالجملة للمرشح الذي يقدم العرض الأفضل. يمارس هذا الشخص “الفهايمية” على أكمل وجه، ويدير لعبة تجارية بكل احترافية، وكأن الانتخابات بالنسبة له ليست سوى سوق مفتوحة للمساومة والبيع.
هذا المواطن قد يلقب نفسه بـ”مدير الانتخابات”، فهو يجول بين المرشحين ويعرض عليهم “استراتيجيات” خيالية لجمع آلاف الأصوات. رغم أنه لا يملك أي رأي أو رؤية سياسية واضحة، إلا أنه يتقن لعبة السمسرة. يعد المرشحين بعدد خيالي من الأصوات مقابل وعود سخية، وفي النهاية، يخرج رابحًا من كل المفاوضات بينما يترك المرشحين في حالة من الحيرة والشكوك حول مصير أصواتهم.
قد يبدو في البداية شخصًا متعاونًا ومتعاطفًا، يساعد هنا وهناك، يجمع بعض الأصوات، ينظم اجتماعات صغيرة، لكنه في النهاية لا ينسى أن يحقق مكاسب شخصية من كل خطوة. هو “المهندس الخارق” الآخر الذي يعرف كيف يستغل كل فرصة لصالحه دون أن يُظهر نفسه كمستفيد حقيقي.
وأخيرًا، هناك المواطن المثقف الذي يتابع المشهد الانتخابي عن كثب، يبحث عن برامج انتخابية جادة، يسأل المرشحين أسئلة عميقة، ويبحث عن أي بصيص أمل لإصلاح الأوضاع. لكن المسكين يخرج في النهاية محبطًا، إذ لا يجد في الساحة سوى نفس الوعود الفارغة والكلام المكرر. هو الذي يبحث عن التغيير الجاد وسط مسرح مليء بالعبث.
إن هذه الانتخابات الجزئية بإقليم خريبكة تمثل نموذجًا واضحًا لواقع سياسي واجتماعي يثير الضحك بقدر ما يثير البكاء. المواطنون تحولوا إلى لاعبين في مسرحية غريبة، حيث يختلط الجد بالهزل. البعض يمارس السخرية والفهايمية على أكمل وجه، والبعض الآخر يبيع ويشتري في أصوات الناخبين وكأنها بضاعة معروضة في السوق. في المقابل، المرشحون يبدون عاجزين عن فهم هذا المشهد، وكأنهم يديرون حملة انتخابية في أرض لا تحكمها القواعد السياسية المعتادة.
وفي النهاية، يبقى السؤال: هل ستظل الانتخابات في هذا الإقليم وفي غيره مجرد مسرحية فكاهية يتقن المواطنون فيها أدوارهم الهزلية؟ أم أن هذا المشهد سينتهي يومًا ما بتغيير حقيقي يضع حدًا لهذا العبث الذي يضحك ويبكي في آن واحد؟