بقلم غزة مجيد
قالوا: باك طاح، قلنا ليهم: من الخيمة مايل. هكذا حال المدارة الراقْدة وسط خريبكة، تلك التي ابتلعت الملايين من المال العام ثم تحولت إلى مقبرة حضرية: ساعة معطوبة، نافورة ميتة، ورخام مرصوص كنعوش على رصيف المدينة.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من الصمت، استيقظ المجلس البلدي من سباته وكأنه استعار صوت «فاطمة شوفيني أنا طاير!». لكن الطيران هنا ليس في سماء الإنجاز، بل في فضاء الارتجال والفشل.

المقاول نزل للميدان وكأنه يشارك في ماراثون (الحومة)، لا في مشروع حضري وسط المدينة. أوراش مفتوحة بلا حواجز ولا عوازل، بلا معايير ولا شروط سلامة. عمال بجيليات صفراء وحمراء، أشبه بمراقبي باركينغ السيارات ، يشتغلون وسط السيارات بلا خوذات، بلا واقيات… فقط استعراض بصري رخيص عنوانه:«شوفوني، خدام»، بينما الرخام مرصوص على الرصيف كأكفان في انتظار دفن جمالية المدينة.
دفتر التحملات شيء، والواقع شيء آخر. القانون يفرض أن تكون الورشات مغلقة ومؤمّنة، لكن في خريبكة: اللي قال ليك العسل ما يداويه غير النحل. الفوضى هي القاعدة، والعشوائية هي الدليل. المشروع يُسوَّق كإصلاح، لكنه لا يعدو أن يكون خيمة عزاء مفتوحة لمدارة فقدت بريقها.
أحد العمال وقف فوق كومة الرخام وكأنه يستعد لإلقاء خطبة الجمعة، وقال لمارة:
آسيدي، حتى تجي اللجنة، نقولو ليها: حنا خدامين!. المشهد لا يذكّر سوى بالمثل الشعبي: غير حمم نيفك وقول أنا حداد ! إصلاحات بلا مضمون، أشغال بلا روح، وفوضى ترفع شعار: فاطيمة شوفيني انا طاير !
طالما أن الأوراش تُدار بهذه البدائية، فمن الطبيعي أن تتحول المدارة إلى نعش حضاري وسط خريبكة. المواطن يمرّ كل يوم، يرفع راسه مبتسما : زغرتي يا موكة بلارج دار العرس
لكن هنا يُطرح السؤال الجوهري: أين هي لجان المراقبة؟ أين هو دفتر التحملات؟ وأين هو دور المسؤولين في حماية المال العام وضمان أن المشاريع الحضرية لا تتحول إلى مسرح للعبث؟

إن خريبكة اليوم لا تحتاج إلى التبجح بالطيران السفلي، بل إلى تدخل عاجل من عامل الإقليم لفتح تحقيق شفاف في ظروف تدبير الاوراش، حتى لا تظل المدينة رهينة العشوائية والمقاولات الرديئة، ومجالس تنام لسنوات ثم تستيقظ فقط لالتقاط الصور.


