التنصيص الدستوري و القانوني للحكامة الترابية وتجلياتها لدى الجماعات الترابية.

24 مارس 2023آخر تحديث :
التنصيص الدستوري و القانوني للحكامة الترابية وتجلياتها لدى الجماعات الترابية.

زنقة36_مراكش

حظيت الجهات والجماعات الترابية الأخرى بأهمية بالغة في التشريعات المغربية، نظرا للمسار الذي عرفه ورش الجهوية بالمغرب. وكذا التطور التدريجي الذي ميز هذا المسار.

حيث توج مسار اللامركزية الترابية بالمغرب بعد الإصلاحات الدستورية لسنة2011، بإصدار ثلاث قوانين تنظيمية لتأطير عمل الوحدات الترابية بكل مستوياتها سنة 2015. وجاء ذلك انسجاما مع التوجهات الكبرى للمشرع الدستوري المغربي الذي أكد على المكانة المهمة للجماعات الترابية في التشريع الأسمى، حيث ارتقى بها إلى مؤسسات دستورية وأفرد لها بابا خاصا ضمن ذات الوثيقة.
وترتب عن هذا التنصيص الدستوري تمكين هذه الوحدات الترابية من عدة اختصاصات وموارد وقدرات على التحكم في عناصر النسق لأجل بلورة سياسات عمومية ترابية. وخولها كذلك الشروط الكفيلة بتحقيق التنمية الترابية. وفي مقدمتها تمكين كل هذه الوحدات من الشخصية المعنوية وما ينبثق عنها من استقلال مالي واداري خاضع لمراقبة السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية، باعتبارها سلطة مراقبة إدارية في ميدان الجماعات الترابية، وهو ما شكل كذلك تراجعا عن مفهوم الوصاية المعمول به خلال مدة سريان النصوص التشريعية المنسوخة بموجب القوانين التنظيمية سالفة الذكر.
(ظهير 30 شتنبر المتعلق بالميثاق الجماعي والتعديلات التي طالته سنتي 2002 و2009.)

وفي سياق التمكين المذكور للجماعات الترابية على عدة مستويات، فقد ربط المشرع الدستوري هذه الوحدات بالعديد من المبادئ الكبرى للحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وسن لأجل ذلك العديد من
الأحكام والمقتضيات سواء بالمتن الدستوري أو عن طريق التنصيص عليها بمجموعة من النصوص التشريعية،
وكذا إحداث مجموعة من المؤسسات والهيئات التي تعنى بشؤونها.

فما هي إذن أثار اعتماد أسس الحكامة في تطوير أداء الجماعات الترابية؟ وأي تجليات لهذه الأخيرة في تطبيقات الوحدات الترابية؟

الفقرة الأولى: الأسس الدستورية للحكامة.

نص تصدير دستور 2011 على أن “المملكة المغربية وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية
يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة و التعددية و الحكامة الجيدة.”

كما أنه تناول هذا المفهوم بالفقرةالثانية من الفصل الأول معتبرا أن النظام الدستوري المغربي قائم على الحكامة الجيدة، مصنفا إياها ضمن الأسس والمرتكزات الدستورية إلى جانب فصل السلط وتعاونها وتوازنها والديمقراطية المواطنة والتشاركية والتعددية.

وأكد خلال الفصل 18 على أن السلطات العمومية تعمل على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في هيئات الحكامة الجيدة المحدثة بموجب نفس الوثيقة الدستورية.

إلى جانب تنصيصه عليها من ضمن مجموعة من الفصول الدستورية الأخرى وتخصيصه بابا كاملا لها.

وكذا إحداثه لمجموعة من المؤسسات المرتبطة بالحكامة والتقنين من خلال أحكام الباب الأثني عشر للدستور.

الفقرة الثانية: الأسس القانونية للحكامة.

“تحضر الحكامة داخل النصوص القانونية المغربية بأشكال مختلفة، ويعد الميثاق المغربي للممارسات
الجديدة لحكامة المنشآت والمؤسسات العامة أبرز ماكان متداولا في مجال إقرار قواعد الحكامة الجيدة قبل دستور 2011.

واعتبر القانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية أول قانون مفصل في مجال الحكامة، حيث نصت
أولى مواده على أنه ” طبقا لأحكام الدستور ولاسيما الفصل 157 منه، يحدد هذا الميثاق مبادئ وقواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى والأجهزة العمومية.

ونصت المادة الثالثة منه على أنه: “تعتبر أحكام هذا الميثاق إطارا مرجعيا وطنيا لمبادئ وقواعد الحكامة
الجيدة، و يجب على السلطات الحكومية وجميع مسؤولي المرافق العمومية،كل فيما يخصه، التقيد بمضامينه والعمل على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذه.

كما أن المرافق العمومية ذات الطبيعة التجارية أوالصناعية تخضع للأنظمة والمساطر الخاصة والمصادق عليها من طرف أجهزتها التقريرية.

في حين حددت مادته الرابعة مجموعة من المبادئ والتطبيقات المتعلقة بالحكامة الجيدة.

لكن هذا الميثاق في نظرنا المتواضع، وإن كان قانونا استكمل مسطرته التشريعية بمختلف مراحلها المتعارف عليها، إلا أن أحكامه تبقى غير متضمنة لأية جزاءات يمكن ترتيبها عن مخالفي هذه الأحكام، وكذلك الإدارات التي تأبى التقيد بتطبيقات الحكامة الجيدة، ولا يثير أي مسؤولية في هذا الصدد، وهو ما يدفعنا للقول بأنه فاقد لإحدى الخصائص المميزة للقاعدة القانونية عن باقي قواعد السلوك الإجتماعية الأخرى، وهو ما يطرح سؤال الجدية والحزم في تطبيق قواعد الحكامة؟

و تجدر الإشارة في نفس السياق إلى أن مقتضيات القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية تناولت مفهوم الحكامة، حيث نصت كلها على عدة أحكام مرتبطة بقواعد الحكامة لأجل حسن تطبيق مبدأ التدبير الحر.

الفقرة الثالثة: أولى مظاهر وتجليات الحكامة.

تعتبر المشاركة الفعلية الركيزة الأم للحكامة، حيث يمكن اعتبارها أول تجليات الحكامة بالجماعات الترابية،
ويمكن رصدها من خلال مشاركة المنتخبين والجهاز الإداري في اتخاذ القرارات الصادرة عن هذه المؤسسات،
وكذلك من خلال اشراك فعاليات المجتمع المدني والساكنة في إعداد القرارات التي تهم تدبير شؤونهم، وقد
خولت التشريعات المرتبطة بالجماعات الترابية عدة ادآليات للمشاركة، أبرزها آليات الحوار و التشاور العمومي والتي تبرز أدوارها المهمة خلال إعداد الوثائق التنموية للجماعات الترابية. حيث أن المشرع ألزم الجماعات الترابية بتفعيل أدوار هذه الهيئات سواء ضمن أحكام القوانين التنظيمية أو من خلال مقتضيات المراسيم التطبيقية التي تؤطر كيفية تأليفها وكذا أدوارها ومساهماتها.

ونص كذلك المشرع الدستوري على إمكانية تقديم العرائض والملتمسات، من طرف الجمعيات والمواطنين
والمواطنات بشكل يمكن اعتباره انفتاحا ووعيا من المشرع بأهمية المشاركة ودورها في تطوير الأداء العمومي
الترابي، (رغم بعض التراجعات المسجلة بالنظر للشروط المؤطرة للعملية لاسيما شرط التسجيل باللوائح الانتخابية، هو ما يفسر قلة هذه العرائض و الملتمسات المقدمة منذ تقنينها.) فيما تظل مسألة الشفافية كذلك ذات أهمية كبيرة خاصة فيما يتعلق بالجانب المالي والإداري، ويظهر أثرها على مستوى انفتاح المجالس الترابية على العموم عن طريق فتح دوراتها التي تنعقد خلالها أجهزتها التداولية بما يتيح للجميع مراقبة وتتبع عملها، وكذا نشر قوائمها المالية والمحاسبية التي تسمح للرأي العام بمعرفة
الجوانب المرتبطة بتدبيرها للأمور المالية، وهو العمل الذي يخلق نوعا من الطمأنينة وجو الثقة لدى الرأي العام وباقي الشركاء المحليين بما يساهم بشكل جيد في تطوير الأداء الترابي.

الفقرة الرابعة: التخطيط والمسائلة والمحاسبة كثاني تجليات الحكامة الترابية.

إذا كانت المشاركة والشفافية أمران لازمان لتطبيق أسس الحكامة، فإنهما يبقيان غير كافيان إذا لم يقترنا
بمسألة التخطيط المسائلة والمحاسبة.

وقد خولت التشريعات الوطنية للجماعات الترابية عدة إمكانيات للتخطيط، أبرزها إعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب بالنسبة للجهات، وبرامج التنمية الإقليمية فيما يخص العمالات والأقاليم، وكذلك برامج العمل ووثائق التعمير بالنسبة للجماعات. وباستقراء هذه الوسائل التي جعلها المشرع بيد الوحدات الترابية، تظهر أهمية التخطيط في استشراف المستقبل وتعبئة الموارد قصد الاستجابة لمتطلبات التنمية في بعدها الاستراتيجي، حيث تبقى هذه الاليات على درجة كبيرة من الأهمية، وتشكل مستوى اخر من مرتكزات الحكامة. ويظل ربطها بالمسائلة التي تقترن بكل مسؤولية. حيث تظل هذه الأخيرة من مسؤولية الجهاز السياسي والمجتمع المدني و الرأي العام. وهي الآلية التي تسمح بالتنبيه إلى ما يمكن تسجيله من انزلاقات أو انحرافات قد تثير مسؤولية المدبر أمام
الهيئات المخولة قانونا بمحاسبته، وإثارة مسؤوليته (المدنية، التقصيرية، الجنائية) قصد حماية المال العام وضمان حسن سير المرافق العمومية وتحصينها من كل تسيب محتمل.

ومن خلال إسقاط الجانب المعياري ومقاصد التشريعات على واقع التجربة الجماعية بالمغرب، تبرز على مستوى تدبير الشأن العام المحلي عدة نواقص، أبرزها غياب الارادة الحقيقية في المشاركة والاشراك، والمحدودية المرتبطة بتدني مستوى النخب و تواضع الكفاءة لدى الموارد البشرية المحلية، وهو ما يساهم في تكريس العوائق المفرملة لكل تقدم محتمل للتدبير الحديث وفق مقومات الحكامة الترابية.

مولاي ادريس بنفائدة
باحث في القانون العام
كلية الحقوق مراكش

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق