خطاب العرش: قراءة في رسالة ملكية نحو مغرب قوي ومتضامن

29 يوليو 2025
خطاب العرش: قراءة في رسالة ملكية نحو مغرب قوي ومتضامن

زنقة36

الرباط، المغرب – في مناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابًا تاريخيًا حمل في طياته رؤية ملكية واضحة المعالم لمستقبل المغرب. خطاب العرش، الذي يُعد محطة سنوية لتجديد أواصر البيعة والولاء، لم يقتصر على سرد المنجزات، بل وضع خارطة طريق طموحة لمواجهة التحديات وتعزيز مكانة المملكة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

​تجديد البيعة ومعالجة الشؤون الوطنية

​بدأ جلالة الملك خطابه بالتأكيد على أن عيد العرش ليس مجرد احتفال، بل هو مناسبة سنوية لتجديد روابط البيعة والمحبة والولاء بين الملك والشعب. كما أنه وقت للتأمل في الإنجازات الوطنية والمشاريع المستقبلية والتحديات الراهنة، مع التطلع إلى المستقبل بثقة وتفاؤل.

​بناء مغرب متطور وموحد

​شدد الملك على أن مسار بناء مغرب تقدمي، موحد، ومتماسك يسير بخطى ثابتة، مدعومًا برؤية طويلة الأمد، وخيارات استراتيجية للتنمية الكبرى، وراسخًا في استقراره السياسي والمؤسسي. هذه الجهود تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة بين الدول الصاعدة.

​التقدم الاقتصادي والتنويع

​أبرز الخطاب الجهود المبذولة لتعزيز الصعود الاقتصادي والاجتماعي، بما يتماشى مع النموذج التنموي الجديد. على الرغم من التحديات مثل الجفاف والأزمات الدولية، حافظ الاقتصاد الوطني على نمو كبير ومستمر. يشهد المغرب “طفرة صناعية غير مسبوقة”، حيث تضاعفت الصادرات الصناعية بأكثر من الضعف منذ عام 2014. تقود قطاعات رئيسية مثل صناعة السيارات، والنسيج، والطيران، والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية هذا النمو، مما يعزز الاستثمار وخلق فرص العمل. كما أن الشراكات المتنوعة للمغرب ووضعه كمركز للاستثمار يربط اقتصاده بما يقرب من ثلاثة مليارات مستهلك حول العالم عبر اتفاقيات التجارة الحرة.

​تطوير البنية التحتية

​يمتلك المغرب بنية تحتية حديثة وقوية بمعايير عالمية. وقد شملت المشاريع الأخيرة تمديد خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، إلى جانب مبادرات كبرى في مجالات الأمن المائي، والسيادة الغذائية، والاستقلال الطاقي.

​تحسين حياة المواطنين والرعاية الاجتماعية

​أكد الملك على أن التنمية الاقتصادية والبنية التحتية يجب أن تساهم بشكل مباشر في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين في جميع الفئات الاجتماعية والمناطق. ويولى اهتمام خاص للتنمية البشرية، والحماية الاجتماعية، والدعم المباشر للأسر المستحقة.

​معالجة الفوارق الجهوية وبرامج التنمية الترابية الجديدة

​على الرغم من الانخفاض الكبير في الفقر متعدد الأبعاد، أقر الملك بأن بعض المناطق القروية لا تزال تعاني من الفقر والهشاشة بسبب نقص البنية التحتية والخدمات الأساسية. ولمعالجة ذلك، دعا جلالته إلى تحول جوهري في التنمية الترابية، والانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة تنمية ترابية مندمجة. صدرت توجيهات للحكومة لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية التي تركز على الاستفادة من الخصوصيات المحلية، والجهوية المتقدمة، ومبادئ التكامل والتضامن. تهدف هذه البرامج إلى توحيد الجهود حول أولويات واضحة ومشاريع مؤثرة، خاصة في خلق فرص العمل، وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية (التعليم والرعاية الصحية)، والإدارة المستدامة للموارد المائية، ومشاريع التأهيل الترابي المندمجة.

​الانتخابات والمشاورات السياسية

​مع اقتراب الانتخابات التشريعية، أكد الملك على ضرورة وضع إطار انتخابي واضح ومحدد قبل نهاية العام الجاري. وقد صدرت توجيهات لوزارة الداخلية للتحضير لهذه الانتخابات وبدء المشاورات السياسية مع مختلف الأطراف المعنية.

​العلاقات الإقليمية، وخاصة مع الجزائر

​جدد الخطاب الملكي تأكيد التزام المغرب بالانفتاح على محيطه الإقليمي، خاصة جيرانه المباشرين. وكرر الملك موقفه الواضح والثابت تجاه الشعب الجزائري كأمة شقيقة تربطها روابط تاريخية وإنسانية ولغوية ودينية وجغرافية ومصير مشترك عميقة. وقد مد الملك يده باستمرار إلى الأشقاء الجزائريين، معربًا عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول وأخوي وصادق حول جميع القضايا العالقة بين البلدين. هذا الالتزام ينبع من الإيمان بوحدة الشعبين وقدرتهما على تجاوز الوضع الحالي المؤسف. كما شدد الملك على التمسك بالاتحاد المغاربي، معتقدًا أنه لا يمكن أن يوجد بدون مشاركة المغرب والجزائر والدول الشقيقة الأخرى.

​الدعم الدولي لمبادرة الصحراء المغربية

​عبر الملك عن اعتزازه بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية. ووجه الشكر للمملكة المتحدة والبرتغال على مواقفهما البناءة التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب على صحرائه، مما يعزز مواقف العديد من الدول الأخرى حول العالم.

​تحية للقوات الوطنية والشهداء

​اختتم الخطاب بتحية للقوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والإدارة الترابية، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية على تفانيهم واستعدادهم الدائم في الدفاع عن وحدة الوطن وأمنه واستقراره. كما استذكر الملك بوقار الأرواح الطاهرة لشهداء المغرب، وخاصة جديه الجليلين، الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني.

​إلى أين يتجه المغرب؟

​إن خطاب العرش لهذا العام ليس مجرد جرد لإنجازات الماضي، بل هو بوصلة تحدد اتجاه المستقبل. إنه دعوة للعمل، للبناء، للتضامن، ولتجاوز التحديات بروح موحدة. المغرب، بقيادته الحكيمة، يواصل مسيرته نحو التنمية الشاملة، مؤكدًا التزامه بالعدالة الاجتماعية وتعزيز وحدته الترابية، وتوطيد مكانته كشريك موثوق ومحوري في محيطه الإقليمي والدولي.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept