بقلم: غزة مجيد
حسمت المحكمة الابتدائية بخريبكة ملفًا ذا طابع تجاري، بعدما أصدر قاضي التحقيق، بتاريخ 3 دجنبر 2025، أمرًا بعدم متابعة طبيب من أجل جنح النصب وعدم تنفيذ عقد، معتبرًا أن الوقائع موضوع الشكاية تكتسي طابعًا مدنيًا وتجاريًا صرفًا وتنتفي عنها العناصر التكوينية للجريمة الجنائية.
ويتعلق الملف بنزاع حول معاملات واستثمارات تجارية، شملت التزامات تعاقدية ومسائل ضريبية وتسيير شركة، حيث حاولت أطراف في النزاع تكييف الخلاف في إطار جنائي، غير أن التحقيق القضائي خلص، بعد الاستماع إلى المعنيين بالأمر وشهود في الملف، إلى أن الأمر لا يتجاوز اختلافًا حول الصلاحيات والتدبير والالتزامات التعاقدية.
واعتمد قاضي التحقيق في قراره على مقتضيات من القانون الجنائي، مؤكدًا أن غياب القصد الجنائي وسوء النية يُسقط وصف النصب، وأن النزاع المطروح يدخل في اختصاص القضاء المدني أو التجاري، لا الزجري، وهو ما يُكرّس مبدأ الفصل بين الخطأ الإداري أو التعاقدي وبين الجريمة الجنائية.
وأضاف القرار أن الوقائع، كما بسطها البحث والتحقيق، لا تُثبت وجود تدليس أو وسائل احتيالية، وإنما تُظهر تعقيدات مرتبطة بالتسيير، والضرائب، والالتزامات الناتجة عن وعود بيع، وهي مسائل يُفصل فيها عبر المساطر القانونية المدنية المعمول بها.
ويُفهم من حيثيات القرار توجيهُ رسالة واضحة بخصوص خطورة تحويل النزاعات التجارية إلى شكايات جنائية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمهنيين في قطاعات حساسة، لما لذلك من تأثير مباشر على السمعة المهنية والمسار الوظيفي، دون أن تكون الأركان القانونية للجريمة متوفرة.
كما كشفت وثائق الملف أن بعض الشكايات سلكت المسار الجنائي قبل استنفاد الآليات القانونية المدنية، وهو ما يطرح تساؤلات حول دور التقدير الأولي في توجيه النزاعات، وأهمية احترام الاختصاص القضائي المناسب لكل نوع من الخلافات.
وبالرغم من وجود إحالات محدودة مرتبطة بمسائل تجارية تقنية، فإن القرار أكد بشكل صريح براءة الطبيب المعني من أي شبهة نصب أو احتيال، مع الإشارة إلى أن المسار السليم لحل النزاع يظل هو القضاء المدني أو التجاري.
ويُعد هذا القرار تكريسًا لاجتهاد قضائي يهدف إلى حماية الحقوق دون توسيع غير مبرر لدائرة التجريم، وترسيخًا لمبدأ أن العدالة الجنائية ليست أداة لتصفية الخلافات التجارية.
يُسجَّل لهذا القرار أنه أعاد الاعتبار للتكييف القانوني الدقيق، وأكد أن القضاء يشكّل صمام أمان ضد التعسف في استعمال الشكايات الجنائية، في وقت تبقى فيه الحاجة قائمة إلى تطوير آليات إدارية وقضائية تضمن توجيه النزاعات إلى مسارها القانوني الصحيح منذ البداية.


