خريبكة… مدينة تتألم، وعامل يضع يده على الجرح قبل أن يوقّع على الدواء

21 نوفمبر 2025
خريبكة… مدينة تتألم، وعامل يضع يده على الجرح قبل أن يوقّع على الدواء

.بقلم غزة مجيد
في خريبكة، لا شيء يشبه لغة البلاغات التي تُكتب في آخر الليل، ولا شيء يشبه خطابات النوايا التي تُلقى كلما ضاق الخناق.
هناك مدينة حقيقية تنزف، وناس تعبوا من تكرار الحكاية وسرد الرواية ، وإدارة محلية امتلأت بالثقوب حتى صارت تحتاج إلى إعادة خياطة كاملة… لا إلى ترقيع.

وفي هذا المناخ الرمادي، دخل هشام العلوي، عامل الإقليم، إلى قاعة الخزانة الوسائطية، ليس بصفته ممثلًا للسلطة فقط، بل بصفته قارئًا محترفًا لوجع المدن. جلس يستمع… يستمع أكثر مما يتكلم، كأنه يريد أن يسمع خريبكة قبل أن يحكم عليها.

ست ساعات ونصف من المداخلات…
أكثر من مئة صوت…
مائة قصة، ومائة جرح، ومائة دليل على أن التنمية لا تُبنى فوق الركام، بل تبدأ من رفع الركام نفسه، وان تجفيف المستنقع خير من هدر الزمن التنموي في قتل البعوض..

كان المشهد أشبه بمحكمة أخلاقية كبرى:
المنتخبون، الفاعلون، المجتمع المدني، الغاضبون، الجائرون، والحائرون… الكل يقف أمام مرآة واحدة، يقول ما لم يُقل منذ سنوات. المدينة تحدثت بصوت مرتفع، ليس لأنها تحب الكلام، بل لأنها سكتت طويلًا حتى اختنقت.

والعجيب في هذه الجلسة ليس كثرة الشكاوى، بل منسوب صبر العامل على الاستماع بشكل تفاعلي توحي به قسماته وإيماءاته .
فالرجل – بخلاف كثيرين – لم يتقمص دور المخلّص، ولم يوزع الكلام على شكل وعود وردية كسلفه الذي كان مبدعا في السفسطة، بل اكتفى بإنصات يشبه الفلسفة.
كان يُصغي كما لو أنه يجمع أدلة جريمة… لا ملاحظات عابرة.
كان يبتسم لا بدافع المجاملة، بل لأن الرجل يدرك أن الغضب ليس ضدّه، بل ضد وضعٍ ترسّب قبل أن يصل.

الجميع، دون استثناء، اتفق على أن أول مشروع يحتاجه الإقليم ليس تعبيد طريق، ولا بناء قاعة، ولا توقيع اتفاقية…
أول مشروع هو: اجتثاث الفساد.
نعم، ليس فقط محاربة الفساد والفساد الذي ساد : فلا معنى لبناء أي مشروع فوق أرضٍ مختلّة، أو ترك ملفات تُدار بمنطق الترضيات بدل منطق القانون.
:
أن ما يحدث في خريبكة ليس نقاشًا تقنيًا، بل مواجهة بين عقل يريد الإصلاح وبنية تقاوم التغيير.
العامل وجد نفسه في مفترق طرق:
إما أن يجامل النظام المحلي الفاسد،
أو أن يبدأ ثورة هادئة بسلاح الاستماع والصرامة.

السلطة اليوم ليست في الصراخ، بل في التقاط التفاصيل لان الشيطان يكمن في التفاصيل؛
وليست في فرض الأوامر من طرف عامل من نبع أصيل، بل في بناء الشرعية؛
وليست في معاقبة الضعفاء، بل في تفكيك شبكات القوة والمصالح التي صنعت الفساد واحتكرته.

كان واضحًا أن الرجل لا يريد أن يُكرر سيناريو العمال الذين جاؤوا وذهبوا دون أن يتركوا أثرًا أو وقعا (ماعدا علو وضعهم الشخصي)
هو جاء ليقول:
لا تنمية مع فساد… ولا إصلاح بلا مواجهة.

وهذا ما جعل الناس يلتقطون إشاراته جيدًا:
الهدوء ليس ضعفًا…
والابتسامة ليست مجاملة…
والاستماع الطويل ليس تضييعًا للوقت…

بل جزء من استراتيجية إصلاح تُبنى على خطوات محسوبة، على تشخيص، لا على انفجارات عاطفية شخصية.

شخصيا لاحظت في تلك الجلسة ان خريبكة لم تكن مجرد مدينة تتحدث حديثا مهمهما او سرياليا مرسلا …
بقدرما كانت مدينة تُحاكم سنوات طويلة من التجاهل.
والعامل لم يكن مجرد مسؤول يرأس جلسة…
كان شاهدًا على مرحلة جديدة تُكتب بمداد الحقيقة.

لقد خرج الجميع من القاعة بفكرة واحدة:
أن المدينة لن تتغيّر إذا لم يتم كسر الحلقة التي ربطت الفساد بالمصالح السياسية والإدارية.
وأن العامل، بإنصاته العميق وهدوئه المدروس، بدا وكأنه يستعد لفتح هذا الملف الشائك، لا كمهمة مؤقتة، بل كمعركة شخصية.

وهذا هو ما يميّز المسؤولين الذين يصنعون الفرق عن المسؤولين الذين يكتفون بالمرور وتمرير مرارة الفساد الذي عاث على جرعات .

خريبكة اليوم أمام فرصة…
فرصة أن يكون لديها مسؤول يفهم أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تحت، من الجذور، من مناطق العطب، لا من الواجهات المصقولة.

والأيام المقبلة هي الكفيلة بالإجابة:
هل سيستمر هذا النفس الإصلاحي؟
أم أن دواليب الفساد ستقاومه كما قاومت كل من حاول قبله واشترت صمته واستشرت زباناته وتوافد زبناءه ؟

لكن ما هو مؤكد أن الشرارة انطلقت…
وأن العامل هشام العلوي، في تلك الجلسة، كتب أول سطر من معركة طويلة عنوانها:
الإصلاح يبدأ بالاستماع… وينتهي بالقرار.، والانطباع العام انه الله يعمرها دار بمقدار ، و سيروض مارد الفساد الكيدار

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept