بقلم غزة مجيد
يوم الخميس 18 شتنبر 2025، على الساعة الثالثة بعد الزوال، احتضن المركز الجماعي للتكوين بمدينة خريبكة دورة استثنائية لمجلس الجماعة، دورة جمعت النقيضين: جسراً من الأمل قاده العامل الجديد السيد هشام العلوي المدغري، وسقطة قاسية من بعض أعضاء المجلس الذين أصروا على خلط المياه العذبة بالوحل، في مشهد يلخص بوضوح مأزق التنمية المحلية بين روح المبادرة وانحدار السلوكيات.
جاءت هذه الدورة بطلب رسمي من العامل، في خطوة تحسب له في أول عهده بالمدينة. الرجل لم ينتظر تصفير العداد، بل بادر إلى ترتيب الأوراق ودفع المجلس لجلسة نوعية ناقشت قضايا واعدة:
المصادقة على شركة التنمية خريبكة للتهيئة والتنمية (KADev)،
الانخراط في مجموعة الجماعات لحفظ الصحة،
إبرام شراكات لتجهيز مرافق حيوية،
تسليط الضوء على أزمة انقطاعات الماء التي تؤرق المواطنين.
إشارات العامل واضحة: لا زمن للانتظار ولا أعذار لمن يتخذ من الروتين قميصاً، المطلوب عمل، والنتيجة محسوبة بالأثر على حياة المواطن. مقاربته استباقية، واعية، اختارت الميدان بدل الورق، والخدمة بدل المجاملة.
غير أن الحلم الجميل لم يكتمل. داخل نفس القاعة، انهارت قيم المسؤولية تحت وطأة العنف اللفظي والسباب المكشوف: نائب رئيس المجلس يوجه عبارات ساقطة لمستشار في المعارضة (غنوض لمّك)، ويستهين بالقضاء علانية (سير حط)، وسط ذهول المتابعين واحتجاج بالانسحاب من المعارضة.
سقطت هيبة المجلس، تلاشى منطق النقاش، وغابت الضوابط الأخلاقية في دورة كان يفترض أن تعيد الاعتبار للمؤسسة. والمثير أن هذه الفضيحة مرت في حضرة قضايا مصيرية، وأمام أعين ساكنة ما زالت تمني النفس بأن يستفيق ممثلوها من سباتهم إلى فعل حقيقي واحترافية تليق بثقل المدينة ومكانتها.
هنا تتجلى المفارقة: عامل جديد يقود أوراش إصلاح ويبعث الأمل، ومنتخبون – بعضهم – يصرون أن يبقى الشأن المحلي رهين المهاترات الشخصية والمعارك الصبيانية. كيف يمكن تحقيق تنمية حقيقية والمجلس يسقط إلى مستوى (لغة الزنقة) بدلاً من لغة تدبير الأزمات؟
الخطورة أن المواطنين الحضور، وهم يرون بصيص أمل في منهجية العامل، اصطدموا بانهيار صورة جزء من المنتخبين. النتيجة: لا التغيير مؤمن بالعزم وحده، ولا الإصلاح يُنجَز بدون إعادة الاعتبار للأخلاق والمسؤولية داخل قاعة القرار.
هل نسيت خريبكة الدروس القاسية؟ التنمية ليست اتفاقيات وشركات على الورق فحسب؛ هي أيضاً احترام المؤسسات وسلوكيات القادة. فكما فتح العامل أوراش الإصلاح بجرأة، ينتظر منه الرأي العام الصرامة في ردع كل من تتحول الجلسة في حضوره إلى مشادّات وقذف وأزمات ثقة.
هذه الدورة لم تكن عادية، بل لحظة عار وقوة في آن معاً: عار السلوك الغوغائي لبعض المنتخبين، وقوة دينامية العامل الذي أظهر أن في هذا الإقليم رجلاً قرر أن يقلب الطاولة. وبين السلب والإيجاب، يبقى سؤال اللحظة: هل تصنع القيادة فرقاً أمام أعطاب القاعدة؟
صورة اليوم أوضح من أي وقت مضى: أمل في الأفق، وأعطاب قديمة تصارع للبقاء. ويبقى القرار بيد من يملك الجرأة والإرادة، لا بيد من يختبئ وراء جدران العبث.