من الغربة إلى أرض الوطن… أسعار ملتهبة وبيروقراطية خانقة تكبل طاقات الجالية.

13 أغسطس 2025
من الغربة إلى أرض الوطن… أسعار ملتهبة وبيروقراطية خانقة تكبل طاقات الجالية.

إدريس سحنون 

التقينا بمجموعة من العائدين من أرض الغربة من أبناء إقليمي خريبكة والفقيه بن صالح، اللذين يعدان من أكثر المناطق المغربية تصديرا للمهاجرين، سواء عبر الهجرة الشرعية أو غير الشرعية.

 وأكد المستجوبون أن عودتهم إلى المغرب كانت في السابق تقليدا سنويا مرتبطا بالمناسبات الدينية، خاصة عيد الأضحى، وفصل الصيف في شهري يوليوز وغشت، غير أن هذه السنة شهدت تراجعا ملحوظا في أعداد العائدين، وكأن الوطن أصبح أرضا غريبة لا تتسع لأبنائها.

وأوضح البعض أن تكاليف السفر والإقامة بالمغرب ارتفعت إلى مستويات صادمة، وأن أسعار الفنادق والمطاعم والمقاهي فاقت  نظيراتها في أوروبا، رغم تراجع مستوى الخدمات، واصفينها ب” أثمنة الجشع بلا حسيب ولا رقيب والتسيب بلا ضابط ولا وازع “. 

وعبر العائدون أيضا عن استيائهم من اكتظاظ المنطقة بالسيارات والدراجات النارية وكذا الحرارة المفرطة التي تكوي الجلود، والانقطاع المتكرر للماء، وارتفاع أسعار الخضر والمواد الغذائية مقارنة بدول إقامتهم، كأنهم يعودون إلى وطن مليء بالألغام الاقتصادية والمعيشية.

أما فيما يخص الاستثمار، فأغلب أبناء الجالية يكتفون بكراء أو شراء المقاهي، أو بناء منازل من طابقين أو أكثر، يتركونها مغلقة كقصور مهجورة، خوفا من المشاكل القانونية والنزاعات مع المستأجرين.

 واعتبر العديد أن الاستثمار في مجالات أخرى محفوف بالمخاطر، في ظل غياب تشجيع حقيقي، وتعقيد المساطر الإدارية، وانعدام ضمانات قانونية، وكأن الوطن يربط أيدي أبنائه قبل أن يسمح لهم بالبناء على أرضه.

وعن التحفيزات الموجهة للجالية، مثل حسن الاستقبال بالموانئ، وصف المستجوبون ذلك بأنه “واجهة مزيفة من الرياء المصطنع، بلا روح أو فعل”، تحاول خداع العائدين عن واقعهم المؤلم.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور سعيد ،م: “العزوف عن الاستثمار ليس خيارا بل استجابة لصدمة واقع؛ الكثيرون يحصرون طاقاتهم في المقاهي والعقار، لأن وطنهم يبدو كسجن بلا مفاتيح”.

 وفي المقابل، أكد مصدر مسؤول بجهة بني ملال خنيفرة وجود مبادرات لتحفيز استثمارات الجالية، منها الشباك الوحيد والتحفيزات الضريبية، لكنه اعترف بأن الطريق ما زال طويلا لاستعادة ثقة المهاجرين، وأن الوعود غالبا ما تتلاشى كرماد في الريح.

ما بين حنين الجذور وصدمة الواقع، يقف أبناء الجالية المغربية أمام مفترق طرق قاتم؛ يحملون في حقائبهم عملات صعبة وخبرات غنية، لكنهم يصطدمون بجدران بيروقراطية كالأسوار، وأسعار تحرق جيوبهم، ووعود تتبخر قبل أن تصل إليهم. 

خريبكة والفقيه بن صالح، كغيرهما من مدن المغرب، يمكن أن تتحولا إلى ورش تنموي نابض لو أحسن استقبال استثمارات أبنائها، ولو وجدوا ما يجدونه في أوطان الغربة من شفافية واحترام وتشجيع حقيقي. 

وحتى يتحقق ذلك، ستظل طاقات الجالية تستنزف في المقاهي والعقار، بدل أن تستثمر في مشاريع مبتكرة،تزرع أملا تحصده أجيال المستقبل.

 إن استعادة ثقة أبنائنا في وطنهم ليست رفاهية، بل واجب وضرورة ملحة، فالمغرب بحاجة إلى أبنائه ليعيد بناء اقتصاده وينهض بمستقبل أجياله. وإلا تلاشت ثرواته وتبخرت كنوزه بين يديه، تاركة وراءها صدى الفرص الضائعة وذكريات الغربة المؤلمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept