بقلم: غزة مجيد
اعذرونا لأنكم لستم متملّقين لرئيس الجماعة
ولا تجيدون لغة الإشارات الهاتفية،
ولا تعرفون كيف تُطلب الأشغال خارج دفاتر التحملات.
اعذرونا لأنكم اخترتم الصمت احترامًا للقانون،
في زمنٍ صار فيه الصمت معاقَبا.
اعذرونا إن بقيت الحُفر قرب المحاكم،
وبركُ الماء أمام أبواب العدالة،
فأنتم لم تطلبوا، ولم تُلمّحوا، ولم تُساوموا.
اعذرنا يا رئيس المحكمة
إن كانت الإنارة ضعيفة قرب منزلك،
فرئيس الجماعة منشغل بتزفيت حيّه،
الذي لا يحتاج تزفيتًا أصلًا!
اعذرونا يا قضاة التحقيق
إن كانت علامات التشوير شبه منعدمة بحيّكم،
فالرئيس لم يُحقّق في غيابها.
وإن اتصلتم اتصالًا واحدًا
قد يُحسَب استغلالًا للنفوذ،
اعذرونا لأن القانون قيَّدكم،
بينما أُطلق العنان لغيركم.
نقول لكم اليوم: اعذرونا.
التزفيت عند بعضهم لم يعد خدمةً عمومية،
بل حملةً انتخابيةً صامتة،
تبدأ مع اقتراب الاستحقاقات،
وتنتهي بانتهاء الحاجة إلى الأصوات.
بعض رؤساء الجماعات لا يزفِّتون حيث الحاجة،
بل حيث الكثافة الانتخابية.
لا يُصلحون طرق العدالة،
بل طرق الحسابات الانتخابية.
الحي الذي ينتج اصواتاً … يعجل …والذي لا ينتج اصواتاً يؤجّل… ويقطع أشواطاً حتى يتبهدل
والمؤسسة التي لا تُصوِّت تُترك للحُفر والعتمة.
بعض رؤساء الجماعات لا سامحهم الله
لا يرون في القاضي مواطنًا،
ولا في الموظف العمومي ساكنة،
بل يرون فقط من يضيف رقمًا إلى الصندوق.
الإنارة تنعدم قرب منازلكم،
ليس نسيانًا،
بل لأنكم لا تتصلون، ولا تصوتون
ولا ترغبون أن يُحسَب عليكم
ما لا يُحسَب إلا على النزيهين.
اعذرونا لأنكم اخترتم النزاهة
في زمنٍ صار فيه الحياد خسارةً سياسية.
لا تدخلون صراعات،
ولا تُجيدون التودّد،
ولا تؤمنون أن الهاتف أقوى من القانون.
لأنهم لو استغلّوا رنّة الهاتف،
لقالوا إن المسؤول في اليد،
وإن الخيط صار مشدودًا،
وإن القرار يُدار من خارج المؤسسات.
ولو فُتح باب الاتصال،
لما توقف الأمر عند خدمة عمومية،
بل لبدأ استغلال الرنّة والمصلحة معًا،
فيُقدَّم الطلب اليوم،
ويُستدعى غدًا في الحسابات،
ويُستعمل لاحقًا كورقة ضغط.
اعذرونا يا هيئة المحامين،
اعذرونا إن تنقّلتم بين المحاكم في هذا المطر،
وغرقتم في الوحل الذي عجز رئيس الجماعة عن إزالته.
فترافعكم عن المواطن لا يعنيه،
والرئيس منهمك في مشاريعه الانتخابية،
منهمك بتزفيت الأحياء المُصوِّتة،
ولا وقت لديه لمحامٍ أو قاضٍ لا يملأ الصناديق!
وبوصفي متتبِّعًا للشأن المحلي،
غير راضٍ عن هذا الوضع،
أقول:
هذه ليست خصومةً بين القضاء والجماعات،
بل نتيجةٌ طبيعية
حين يتحوّل التدبير إلى أداةٍ انتخابية،
وحين يُربط الإصلاح بعدد الأصوات
لا بعدد الحُفر.
فاعذرونا،
فأنتم لستم متملّقين،
ولا زبناء عند بعض المنتخبين،
ولهذا لا أولوية لكم في خريطة الاهتمام.
في مدينةٍ يُعبَّد فيها الطريق
حين تقترب الانتخابات،
ويُترك القانون جانبًا
حين لا يخدم الحملة،
تصبح الحُفر أصدق من الخُطب،
وبركُ الماء أبلغ من البلاغات،
والإنارة المنطفئة أقوى من الوعود.
اعذرونا… فهذه
شهادة متتبع يحترم القاضي ، ولا يحترم أعضاء جماعة يقضون الحاجات بالتراضي



