التعايش الفريد في المغرب: نموذج من التعددية الدينية والثقافية

10 أغسطس 2025
التعايش الفريد في المغرب: نموذج من التعددية الدينية والثقافية

بقلم: د. عيّدودي عبد النبي – باحث في الشؤون الدينية والسياسية

في قلب المغرب، حيث يلتقي التاريخ بالثقافة، يبرز هذا البلد كأحد أعظم النماذج للتعايش بين الأديان. وعلى مر العصور، كان اليهود المغاربة جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي المغربي، يعيشون جنبًا إلى جنب مع المسلمين، سواء عربًا أو أمازيغ، في المدن والقرى، ويساهمون في مجالات اقتصادية، سياسية وثقافية متعددة. تلك المساهمة لم تكن هامشية أو استثنائية، بل كانت متجذرة في عمق التاريخ المغربي، حيث حافظ المغرب على توازنه الاجتماعي والديني تحت رعاية ملوك وسلاطين، وما زال هذا الإرث حيًا في الذاكرة الوطنية حتى اليوم.

كما يوضح د. العيدودي في مقاله، فإن المغرب يمثل نموذجًا حيًا لعلاقة التعايش بين المسلمين واليهود، علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والمشاركة الحقيقية في شتى مجالات الحياة. العيدودي ينقلب بذلك على فكرة التعددية التي كانت تُنظر إليها دائمًا كمصدر للانقسام، ليعرض لنا كيف يمكن لهذه التعددية أن تكون قوة تجميعية بدلًا من أن تكون سببًا للتنازع.

كان لليهود دور كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المغرب. من خلال حضورهم في الأسواق الكبرى مثل فاس والصويرة، وامتلاكهم للمحلات التجارية داخل “الملاح”، إلى مشاركتهم في الزراعة والتجارة والصناعة جنبًا إلى جنب مع المسلمين، وصولًا إلى التعايش التام في القرى حيث امتلكوا حقولًا زراعية وشاركوا في الحياة اليومية. وهذا التعاون لم يكن محصورًا في مجالات الاقتصاد فقط، بل امتد إلى جميع جوانب الحياة: من تقاسم المياه، إلى الأفراح والمواسم، وصولًا إلى الأزمات المشتركة مثل المجاعات.

حرص اليهود المغاربة على الحفاظ على إرثهم الديني، حيث تمسكوا بأعيادهم وطقوسهم التي تحمل طابعًا مغربيًا خالصًا، مثل عيد “الميمونة” الذي يُحتفل به بعد عيد الفصح اليهودي، حيث يفتح اليهود بيوتهم للمسلمين ويتشاركون معهم الحلويات والأطعمة. هذا العيد ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو مثال على تحويل المناسبات الدينية إلى فضاء اجتماعي ثقافي يُعبر عن المحبة والاحترام المتبادل.

بينما شهدت الأندلس تجارب ازدهار فكري وعلمي قبل أن تنتهي فجأة مع سقوطها وطرد اليهود، وبينما عانت بعض المناطق العربية من فترات تفاعل غير مستمرة مع اليهود بسبب الصراعات السياسية، كانت التجربة المغربية دائمًا مستمرة، ولم تتوقف حتى بعد هجرة عدد كبير من اليهود المغاربة في منتصف القرن العشرين. العيدودي هنا يُشير إلى الرعاية الملكية التي قدمها سلاطين المغرب، خاصة العلويين، حيث تم الاعتراف بهم كحماة لجميع رعاياهم بغض النظر عن دينهم، ما جعل التعايش ممكنًا واستمراريًا.

فرادة المغرب في التعددية: إن التاريخ المغربي يثبت أن التعددية الدينية لا تشكل تهديدًا بل قوة، ويمكن أن تكون مصدرًا للوحدة والتلاحم بين مختلف الطوائف. وبفضل الاستقرار الجغرافي والسياسي، وبفضل مرونة الفقه الإسلامي الذي أتاح تنظيم العلاقات مع أهل الذمة بأريحية، استمر هذا التعايش على مدار قرون.

في النهاية، إن التجربة المغربية في التعايش بين المسلمين واليهود ليست مجرد إرث تاريخي بل هي نموذج ثقافي متجدد. كما يوضح د. العيدودي، المغرب نجح في تحويل التعددية إلى مصدر قوة ووحدة، وجعل التفاعل بين الأديان والثقافات أساسًا لبناء مجتمع فسيفسائي متماسك. تحت شعار الله، الوطن، الملك، وبتوجيه من الملك محمد السادس، أمير المؤمنين وحامي الدين، يبقى المغرب نموذجًا عالميًا في صون التعددية الدينية والثقافية.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept