زنقة 36_غزة مجيد
في خنيفرة، لا شيء يعلو على هاجس الماء. هنا لا يُزرع الأمل إلا بمطرٍ قد يأتي وقد لا يأتي. المطر وحده هو من يقرر إن كانت لكسيبة ستجد ما تقتات به، وإن كانت الحقول ستتنفس موسمًا أخضر قبل عودة العطش.
في الدورة العادية لشهر يوليوز 2025 لمجلس جهة بني ملال – خنيفرة، جلست حليمة العسالي على مقعدها وهي تدرك أن خطب التنمية لا تسقي ماشية عطشى ولا تطعم سكانًا يترقبون شتوية عابرة.
لم تنتظر طويلاً لتأخذ الكلمة. بنبرة تعرفها قاعات المجالس، وضعت أمام الرئيس عادل البراكات ملتمسًا صريحًا: إنشاء سد شتوكة. لا حديث عن إنجازات على الورق ولا عن دراسات لا تصلح إلا لتزيين الرفوف. هذه المرة، الموضوع يتعلق بحقٍ بسيط: تثمين الوديان الصغيرة الموسمية التي تفيض شتاءً وتضيع صيفًا.
العسالي شرحت أمام الحاضرين أن وديان الشتوية هنا ليست أنهارًا كبيرة بل مجرد جداول صغيرة، لكنها حين تتحد تصبح مصدر حياة. قالت بوضوح: حين يأتي المطر، تمتليء هذه الوديان وتنتهي مياهها في سد الحنصالي الذي تستفيد منه جماعات استحقاق والقباب. لكن لو أُنشئ سد شتوكة، فإن جماعة القباب وآيت اسحاق وجماعة لهري كلها ستستفيد، وستكون لنا فرصة لتقاسم الماء بإنصاف.
في مداخلتها، لم تبالغ في الوعود، ولم تصنع من السد معجزة تنموية، لكنها ذكّرت الحضور بأن العيش الكريم يبدأ من قطرة ماء. هذا السد ليس ترفًا ولا مشروعًا للواجهة، بل استحقاق تاريخي لجماعات ظلت على الهامش.
العسالي تعلم أن لا مانع تقني أو بيئي يبرر تأجيل المشروع، وأن التذرع بالدراسات المزمنة ليس إلا هروبًا من القرار. حين يقرر المجلس أن يلتفت للوديان الصغيرة قبل أن تضيع في التراب، حينها فقط يمكننا أن نقول إننا أنصفنا هذه الأرض.
في زمن السياسات التي تكتفي بالتصفيق لمشاريع إسمنتية لا يراها المواطن، حليمة العسالي اختارت أن تضع الماء – أبسط شروط الحياة – في قلب السياسة.
وربما، كما قالت، خنيفرة لا تحتاج مزيدًا من الوعود الموسمية… تحتاج سدًا يمسك الوديان الصغيرة قبل أن تصبح ذكرى في مواسم الجفاف.