زنقة36_غزة مجيد
في هذا البلد الذي صار فيه الشأن الحقوقي حقلاً صاخبًا تتقاطع فيه المصالح والرهانات، يختار بعض الوجوه أن يسلكوا طريقًا أقل ازدحامًا، طريق يراهن على المعرفة لا على الشعار، وعلى التكوين لا على الخطاب. أيوب رقيق واحد من هؤلاء القلائل الذين يثبتون أن الدفاع عن الحق لا يكتمل إلا بحيازة العدة القانونية والأكاديمية التي تمنح الكلمة ثقلها والحجة قوتها.
هكذا، في لحظة لا تخلو من رمزية، توّج رئيس المرصد المغربي لحقوق الإنسان بجهة سوس ماسة مسيرته العلمية بشهادة الماستر في قانون العقود والعقار والتوثيق. شهادة ليست مجرد ورقة رسمية تزيّن السيرة الذاتية، بل عنوان على مسار طويل من الالتزام والإصرار على أن يظل القانون حليفًا للعدالة، لا مطيّة للالتفاف عليها.
أيوب رقيق لم يكتفِ بارتداء بذلة المحامي المتمرن في محاكم أكادير وكلميم والعيون، بل أصرّ على أن يكون صوته حاضرًا في أروقة الجمعيات والهيئات الحقوقية، وأن يظل اسمه مرتبطًا بقضايا الناس قبل أن يرتبط بأي امتياز شخصي. رجل يملك قدرة نادرة على أن يجمع بين الندوة الحقوقية والاجتهاد الجامعي، بين إعداد المذكرات الترافعية والانكباب على رسائل الماستر، بين انشغالات الجمعيات ومسؤولية تكوين الذات.
قليلون أولئك الذين لا يغريهم التباهي الفارغ حين يحققون إنجازًا أكاديميًا، وأيوب رقيق لم يعلن عن تتويجه صاخبًا ولا مفتوحًا على استعراض الصور، بل ترك للخبر أن يشيع بهدوء، حتى بلغ زملاءه الذين يعرفون صعوبة التوفيق بين المهنة والبحث.
من يتابع مسيرته سيدرك أن تخصصه الجديد ليس صدفة ولا رفاهية، فالرجل انشغل لسنوات بملفات التهيئة العقارية وحقوق السكنى، وواجه في أكثر من مرة مشاريع لم تكن تراعي حقوق المواطنين في السكن اللائق. كان صوته حاضرًا حين جرى النقاش حول تصميم تهيئة أكادير الجنوبية، وحين كتب عريضة تدعو إلى صيانة البعد الاجتماعي والحقوقي في المشاريع العمرانية.
اليوم، بحيازته هذه الشهادة، يضع أيوب رقيق خطوة إضافية في مشروعه الشخصي الذي يراهن على القانون كرافعة للتغيير، ويؤكد أن معركة الحقوق لا تكتمل إلا حين تكون مدعومة بمعرفة دقيقة لا تترك للخصم أي منفذ للمناورة.
بين مكتب المحاماة، ورئاسة جمعية مبادرات مواطنة، والكتابة العامة لفدرالية النسيج الجمعوي، وعضوية هيئة تكافؤ الفرص ومقاربة النوع، يواصل هذا الرجل تذكيرنا بأن الإيمان بالرسالة يمكنه أن ينتصر على ضيق الوقت وضجيج التفاصيل الصغيرة.
في زمن صار فيه الحديث عن التمكين والتكوين مجرد شعارات تُعلّب في نشرات الأخبار، يثبت أيوب رقيق أن التمكين الحقيقي يبدأ من الذات، من شجاعة الاعتراف بأن المعرفة سلاح لا غنى عنه.
مبروك لهذا الرجل الذي رفض أن يكتفي بالمواقف، فذهب يبحث عن الأسس. مبروك لمن أثبت أن القانون ليس حكرًا على مكاتب المحامين ولا رفوف الجامعات، بل هو أداة للإنصاف حين تكون في يد من يقدّر قيمتها.
ولعلها بداية فصل جديد في رواية رجل آمن بأن لا شيء مستحيل حين يكون الشغف حارسًا والضمير دليلًا.