زنقة36
في زمن تتراجع فيه الثقة في كثير من المؤسسات، وتذوي حرارة الحماس المدني أمام صقيع اللامبالاة، يصر بعض الفاعلين الجمعويين على إعادة الروح إلى الفضاء العام، وإثبات أن العمل التطوعي ليس ترفًا ولا هواية عابرة، بل التزام عميق بجعل الحياة المشتركة أقل قسوة وأكثر عدلاً.
بهذا المعنى، احتضن أحد الفضاءات الجمعوية لقاءً تواصليًا لافتًا، حضره الأستاذ كمال لعفر، المحامي بهيئة الرباط، رجل لا يكتفي بممارسة مهنته في قاعات المحاكم، بل يختار أن ينزل إلى الميدان ليزرع شيئًا من الأمل في نفوس شباب يبحثون عن معنى ودور. الرجل شدد، بنبرة الواثق العارف، على أن رسالية العمل الجمعوي تكمن في إعادة الاعتبار لقيمة الإنسان، وإحياء روح المواطنة النشطة، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء.
لم يكن الحضور عابرًا ولا باردًا. بلال اخنوشة ومحمد عابد، عضوا منظمة الطلبة الحركيين، حملا معهما تجارب العمل الطلابي في زمن تتنازع فيه الجامعة تيارات السياسة والصمت، وقدما رؤى عملية لكيفية تمتين قدرات الجمعيات، وإخراج المبادرات من دائرة النوايا الحسنة إلى فضاء الأثر الملموس. في كلماتهما، بدا واضحًا أن الرهان على الشباب لم يعد ترفًا، بل ضرورة لتصحيح مسارات كثيرة.
النقاش المفتوح الذي دار بين الحاضرين لامس أسئلة مؤرقة: كيف يمكن للجمعيات أن تجد تمويلًا مستدامًا يحررها من الارتهان العشوائي؟ وما الذي يلزم لتكوين أطر شابة تحمل مشعل التنمية دون أن تنكسر أمام أول عائق؟ وكيف نؤسس لثقافة تطوعية تتجاوز المواسم الانتخابية والظرفيات الموسمية؟
اللقاء، الذي بدا للوهلة الأولى موعدًا عاديًا لتبادل وجهات النظر، تحول إلى منصة لتقاسم هموم وطموحات، وإعادة ترتيب الأولويات. في نهايته، اتفق الجميع على أن استمرار هذه المبادرات ليس ترفًا إعلاميًا ولا ترفيهيًا، بل خطوة ضرورية لبناء جسر بين الوعي الجمعوي والمبادرة العملية.
هكذا يثبت الفاعلون الجمعويون مرة أخرى أن ما لا تقدر عليه الخطابات الرسمية قد يصنعه نفر قليل من المؤمنين بأن التغيير يبدأ بفكرة ثم يتحول إلى فعل… ثم إلى عدوى إيجابية لا تقاوم.
