زنقة 36_ غزة مجيد
في بلدٍ يُعاني من عزوف سياسي خانق، تكفي صورة واحدة، غير مؤطرة ولا مشروحة، لتُشعل حرائق التعليق والتهويل والتأويل.
صورة قاصرين يُغادرون حافلة قُبيل ملتقى جهوي للحركة الشعبية بجهة الرباط – سلا – القنيطرة، كانت كافية لتُفتح أبواب الجحيم الافتراضي.
وفجأة، صارت المنابر تكتشف أن المغرب فيه قُصّر، وأن الوطنية، إذا ما دخلت إليهم من باب السياسة، فهي بدعة تستوجب الاستتابة.
لكن، وسط هذه الهستيريا الأخلاقية، لم يكلّف أحد نفسه طرح السؤال الحقيقي:
هل دخل القاصرون القاعة؟
هل شاركوا في النقاشات؟
هل تم تأطيرهم أم فقط أُركبوا في حافلة ورجعوا إلى حال سبيلهم؟
كل هذا لا يهم من تعوّد أن يرى في الصورة وسيلة لاكتساب المعنى… لا لكشف الحقيقة.
نعم، الصورة كانت موجودة.
نعم، شباب صغار ظهروا على الرصيف.
لكن هل نُحاكم النية بالصورة؟
هل نُشيطن كل مشهد لا يُناسب مقاساتنا الإيديولوجية؟
لو كانت الصورة نفسها، لكنها التُقطت أمام مسرح أو متحف أو مهرجان توعوي، لأغدقوا علينا المصطلحات: المواطنة المبكرة، التربية على الانخراط، والجيل الصاعد.
لكن لأن المكان هو قاعة ممتلئة ، والخطاب سياسي، والمناسبة تابعة لحركة شعبية لا تُعجبهم، تحوّلت الوطنية إلى مؤامرة، والتأطير إلى تجنيد.
ثم دعونا نسألهم هم، الذين تباكوا على القاصرين فجأة:
أين أنتم حين يبيع هؤلاء المناديل في إشارات المرور؟
أين ضمائركم حين نراهم يقطعون البحر على زوارق الموت؟
متى كانت القاعات السياسية أخطر من الشوارع الخلفية أو مقاهي الفراغ؟
الذين انتقدوا حضور شباب صغار في محيط نشاط سياسي، لم ينزعجوا من السن، بل من الحركة السياسية.
لم يُرعبهم الطفل، بل أرعبهم أن الحركة الشعبية ما زالت قادرة على الحشد، والاشتغال، وملء الفراغ.
منذ متى كانت السياسة حكرًا على الكبار؟
أليس الوطن في حاجة إلى تربية سياسية مبكرة؟
أم أن المشاركة لا تجوز إلا عند الاقتراع، بينما الوعي السياسي يُعتبر رجسًا من عمل الحزبيين؟
الحركة الشعبية، في هذا السياق، لم تُخطئ التوقيت، بل أصابت العصب الحيّ للذين يريدون احتكار المجال السياسي.
لم تُسوّق شعارات، بل طرحت خطابًا ميدانيًا، وملأت القاعة عن آخرها، بدون جمهور مأجور ولا بروتوكول مُعلّب.
ولمن يتساءل لماذا أثار محمد أوزين كل هذا الضجيج، نقول:
لأن الرجل يتكلم دون ورقة، ويتحرك دون أوامر، ويخاطب الناس كما هم.
لأنه لا يُجيد لغة الخشب، ولا يتردد في تسمية الأشياء بمسمياتها.
ولأن مشروعه لا يُناسب من تعوّدوا على أحزاب الريدو مهبّط تنتظر الضوء الأخضر لتشتغل.
ليس القاصر من دخل في السياسة، بل السياسة هي التي تَشيخ حين تُقصي الأجيال الجديدة.
والذين ذُعروا من أطفال على أبواب قاعة، سيرتعدون أكثر… حين يُدركون أن هؤلاء الأطفال، سيصوتون قريبًا، وسيختارون مصير هذا البلد.