خريبكة/ نقل النفايات: من الدواب إلى الدراجات النارية ثلاثية العجلات.

16 سبتمبر 2024آخر تحديث :
خريبكة/ نقل النفايات: من الدواب إلى الدراجات النارية ثلاثية العجلات.

تحقيق ميداني – جريدة زنقة36.

إدريس سحنون _مجيد غزة_رضوان قليمي.

“نباشو الظلام: بين لقمة العيش والفوضى”

في خضم الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور، ومع الارتفاع المتزايد لحجم النفايات في المدن المغربية، تحولت مهنة جمع وفرز النفايات من حاويات الأحياء السكنية إلى قطاع غير رسمي يزدهر في مدن مثل خريبكة. لم يعد الأمر يتعلق بالبحث عن الطعام كما في الماضي، بل بات جزءا من تجارة مربحة، تمارس في الخفاء أحيانا وفي العلن أحيانا أخرى.

توجه طاقم “زنقة36”  إلى مختلف أحياء خريبكة لإجراء تحقيق حول هذه الظاهرة التي بدأت تأخذ أبعادا متعددة، لتصبح مهنة لها أسرارها وخباياها ومخاطرها أيضا.

جمع النفايات: مهنة الفقراء ومصدر رزق ليلي:

بملامح مختلطة من الحذر والتردد، تحدث إلينا أحمد، رجل في الأربعينيات من عمره، يعمل فلاحا نهارا ويلجأ إلى جمع النفايات ليلا لتغطية مصاريفه اليومية. “المعيشة غالية والشغل بالزراعة وحده ما كافيش”، يقول أحمد. يعمل تحت أجنحة الظلام، يجمع علب البلاستيك والكرتون من الحاويات المتناثرة في الأحياء الهامشية لبيعها لتجار الجملة بثمن زهيد. يحاول أحمد تجنب التعرف على هويته، مثل الكثيرين من العاملين في هذا المجال، حيث يغطون وجوههم أثناء عملهم خشية الفضيحة أو المواجهة الاجتماعية.

سعيد، شاب في الثلاثينيات، هو الآخر يشارك في هذا النشاط، لكنه يمارسه بطريقة ممنهجة؛ حيث يقوم بجمع المواد على مدار الأسبوع، ليبيع ما جمعه كل نهاية أسبوع. “الثمن قليل ولكنها حاجة مضمونة”، يعلق سعيد، في إشارة إلى أن ما يجمعه، رغم قلته، يوفر له مصدرا ثابتا للدخل.

النقل بالدراجات ثلاثية العجلات : تطور نوعي في جمع النفايات:

عبد القادر، سائق دراجة نارية ثلاثية العجلات (Triporteur)، يعكس وجها آخر لهذا النشاط. يجمع النفايات خلال الليل بعد أن ينهي عمله في نقل البضائع نهارا. يشرح لنا عبد القادر كيفية عمله، حيث يطوف شوارع المدينة بحثا عن مواد قابلة لإعادة الاستخدام مثل الصناديق الكرتونية أو البلاستيك. يشير إلى أن “الزبالة كنز”، مؤكدا أن ما يجده يسهم في تأمين احتياجات أسرته التي يعيش معها في ضواحي المدينة.

هذا التطور في وسائل النقل يشير إلى تغير في أساليب جمع النفايات، فبينما كان النقل في الماضي يقتصر على عربات تجرها الدواب، أصبح جمع النفايات يعتمد اليوم على الدراجات النارية، ما يزيد من حجم المواد المجموعة وسرعة التنقل، وبالتالي العائد المادي.

منظمون في الظلام: السوق السوداء للنفايات:

أثناء التحقيق، كان من الصعب الوصول إلى التفاصيل الكاملة لعملية بيع النفايات. معظم العاملين في هذا القطاع يرفضون الكشف عن هوية المشترين، حيث تسود السرية حول هذا النشاط الذي يتم في الظلام. وفقا لما أفاد به بعض النباشين، تباع المواد المجمعة إلى تجار الجملة، الذين يقومون بدورهم ببيعها لمصانع خارج المدينة، خاصة في الدار البيضاء.

هذا النشاط غير المنظم يجري تحت أنظار الجميع ولكنه يفتقر لأي شكل من أشكال الرقابة. بعض المصادر التي تحدثت إلينا أكدت أن هؤلاء الوسطاء يحققون أرباحا طائلة من إعادة بيع هذه النفايات إلى مصانع إعادة التدوير، في حين يتقاضى جامعو النفايات  أثمانا زهيدة.

الآثار البيئية والصحية: بين العشوائية والمخاطر:

بالرغم من العائد المادي الذي يجنيه النباشون، فإن هذا النشاط يترك أثرا سلبيا على مظهر المدينة، وهو ما أكده عبد الحميد، أحد الفاعلين الجمعويين في خريبكة. يوضح أن هذه الظاهرة تتعارض مع جهود شركات النظافة للحفاظ على جمال المدينة التي سبق أن صنفت كإحدى أنظف المدن المغربية. يشير عبد الحميد إلى أن انتشار النباشين يزيد من تبعثر النفايات في الشوارع ويشوه المنظر الحضري.

من جهة أخرى، حذر مصطفى، المدرس في إحدى المدارس العمومية ، من المخاطر الصحية التي قد يتعرض لها السكان نتيجة العبث بالحاويات. يقول مصطفى: “الحاويات المفتوحة تنبعث منها روائح كريهة، والمكروبات قد تنتقل بسهولة من النفايات المبعثرة إلى المارة”. هذا الأمر يثير قلق السكان، خاصة وأن الأطفال يتعرضون لخطر التعامل مع مواد خطيرة مثل الزجاج المكسور أو المعادن.

نحو تنظيم القطاع: حل أم حلم؟ :

يرى الكثير من الخبراء والمثقفين أن الحل لهذه الظاهرة يكمن في تنظيم عملية جمع وفرز النفايات. ويدعو البعض إلى ضرورة وضع حاويات خاصة بالمواد القابلة لإعادة التدوير، وإدماج العاملين في هذا القطاع في إطار قانوني يضمن حقوقهم ويحد من المخاطر التي يتعرضون لها. كما يقترح البعض إنشاء مصانع لإعادة تدوير النفايات على مستوى الإقليم، مما يسهم في توفير فرص عمل وتنمية اقتصادية مستدامة.

خاتمة

كشف تحقيقنا حول ظاهرة جمع النفايات في خريبكة  عن وجهين متناقضين لهذه المهنة؛ فهي مصدر رزق ضروري لكثير من العائلات الفقيرة، ولكنها في نفس الوقت ظاهرة عشوائية تحمل في طياتها العديد من المخاطر البيئية والصحية، لذلك فالحاجة إلى تنظيم القطاع وإدماجه في إطار قانوني أصبحت أمرا ملحا، ليس فقط لتحسين حياة العاملين فيه ولكن أيضا للحفاظ على صحة وجمال مدينة خريبكة.

 

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق