بقلم: غزة مجيد
وصلت إلى ميناء الدار البيضاء 257 حافلة جديدة، مُوجهة نحو مدن مراكش، أكادير، طنجة، تطوان، وبنسليمان. مشهد احتفالي أنيق، يوحي بأن المغرب يدخل عصر النقل الحضري العصري بخطى واثقة. الكاميرات تلتقط الصور، والتصريحات تتحدث عن الثورة في النقل الحضري، لكن وسط هذا الزخم، خريبكة كعادتها… تكتفي بالمشاهدة من بعيد.
مدينة الفوسفاط التي تغذي اقتصاد الوطن، ما زالت تسير على طرق مهترئة، وكأنها خرجت للتو من حرب لم يُعلن عنها أحد. شوارع تئنّ من الحفر، وأزقة تنزف من الإهمال، وإشارات مرور توضع بمزاجية وكأنها ديكور مؤقت، لا نتاج دراسة ولا تخطيط.
حتى شركة النقل الحضري في خريبكة لم تسلم من هذه الكارثة.
السائق يقود وكأنه في سباق «رالي الحفر»، والمواطن يتشبث بالمقعد كي لا يطير في المنعرج القادم. كل رحلة بالحافلة هنا تجربة استثنائية بين الصبر والخطر.
أما محطات الوقوف، فلا حديث ولا حرج: بلا تنظيم، بعضها مجاور لحاويات الأزبال! كأن المدينة أرادت أن تُجمع بين النقل والنفايات في لقطة حضرية واحدة، تختصر معنى الفوضى وضعف الذوق.
يقال إن المدن تتطور بالبنية التحتية… وخريبكة تثبت العكس. فبينما تتزين المدن الأخرى بالحافلات الذكية، ما زالت خريبكة تبحث عن طريقٍ صالحٍ لتسير عليه. فحتى وإن رغب المسؤولون في جلب الأسطول الجديد إليها، يبقى السؤال المؤلم:
فين غادي تدوز هاد الحافلات؟
على طرق تتنفس الغبار؟ على طريق يتفتت مع أول مطر؟
الحق يُقال: لا ينقص خريبكة أسطول حافلات، بل ينقصها من يُفكر بعقلية مدينة تستحق الحياة.
مشكلتها ليست في النقل، بل في غياب الرؤية. مشاريع ترقيعية تُفتتح بالتصفيق وتُدفن بالصمت، وميزانيات تختفي كما تختفي الحافلات القديمة من الخدمة دون تفسير.
في المدن الأخرى، يربطون بين النقل والكرامة.
أما في خريبكة، فالمواطن يتنقل بين حفرة وأخرى، وكأن الطريق امتحان يومي في الصبر والاحتمال.
257 حافلة وصلت للمدن المغربية…
لكن خريبكة لا تزال تنتظر الكار اللي ما غاديش يجي، لأن المشكل ماشي في العجلات… بل في العقول اللي ما بغاتش تدور.



