إدريس سحنون
مع بداية أكتوبر 2025، عادت المجالس الجماعية بجهة بني ملال–خنيفرة إلى الانعقاد، وكأنها تستيقظ من سبات إداري طويل لا يقطعه سوى مواعيد الدورات أو لحظات الغليان الشعبي. حضور لافت للمنتخبين والمواطنين في خريبكة والفقيه بن صالح وأزيلال وخنيفرة وأبي الجعد وغيرها، لكنه حضور لا يخفي حقيقة أن هذه المجالس لا تتحرك إلا حين تشتد الأصوات في الشارع أو حين تحوم لجان التفتيش فوق مكاتبها.
في خريبكة، تحول النقاش إلى عرض طويل للنوايا الحسنة والمشاريع المؤجلة، من محطة طرقية جديدة لا تزال حبرا على ورق، إلى وعود بتوسيع مهام شركة التنمية المحلية للنقل الحضري، وإنشاء شركة أخرى لتحسين التدبير الإداري والمالي… عبارات أنيقة تخفي خلفها بطء التنفيذ وتراكم الاختلالات، في وقت تتطلع فيه الساكنة إلى حلول ملموسة لا إلى خطط معلقة. حتى الحديث عن المراكز الصحية ومكتب حفظ الصحة الممول من وزارة الداخلية بدا وكأنه تذكير بواجبات بديهية، لا إنجازات استثنائية.
أما في بني ملال، فالمشهد أكثر ضجيجا: حضور مكثف للمواطنين، ومشادات كلامية بين الأغلبية والمعارضة، لكن الجوهر واحد — نقاشات تعيد تدوير نفس الشعارات حول محاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة دون أن تتعدى سقف القاعة. جلسات يغلب عليها التوتر أكثر من الفعل، والخطابات أكثر من القرارات. الإصلاحات تتحدث عنها الألسن، لكنها لا ترى على الأرض.
وفي باقي الجماعات، استنسخت المشاهد نفسها: خطابات عن التعليم والتكوين والرقمنة، ومقررات عن الشراكات والموارد البشرية، في حين يظل المواطن ينتظر خدمات أساسية تليق بالحد الأدنى من الكرامة. حتى لجان التفتيش، التي يفترض أن تراقب الأداء وتدفع نحو الإصلاح، باتت هي المحرك الفعلي لما يجري — حضورها وحده كفيل بإيقاظ المجالس من سباتها العميق.
تزامن كل هذا مع احتجاجات “جيل Z” التي اجتاحت مدن الجهة، لتكشف أن الشارع صار المؤشر الحقيقي لنبض التنمية، وأن هذه المجالس لا تتحرك إلا حين تحاصرها الهتافات أو تلوح التقارير بالمحاسبة. لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن الفعل الجماعي في الجهة ما زال رهين الضغط لا الواجب، ورد الفعل لا التخطيط.
ويبقى السؤال الجارح معلقا: هل تحتاج المجالس المنتخبة في هذه الجهة إلى صرخة في الشارع أو لجنة تفتيش كي تتذكر أنها وجدت لخدمة الناس؟ أم أن ثقافة الانتظار والركون أصبحت هي القاعدة، بينما المبادرة والمساءلة مجرد استثناء؟
إن ما يجري اليوم ليس دينامية ديمقراطية بقدر ما هو ارتباك مؤسساتي مقنع، يختزل السياسة المحلية في مسرح موسمي يتحرك فقط عندما ترتفع الحرارة، ثم يعود إلى الجمود ما إن يخفت الصدى.