لماذا يتشبث رئيس الجماعة بالكرسي ويرفض التخلي عنه؟ الحسابات أم الخوف؟

منذ 3 ساعات
لماذا يتشبث رئيس الجماعة بالكرسي ويرفض التخلي عنه؟ الحسابات أم الخوف؟

بقلم غزة مجيد

ليس غريبًا أن تتعثر جماعة،
أن تتباطأ مصالح الساكنة،
أن تظل الملفات عالقة،
وأن تتأخر الخدمات…
فالسبب غالبًا واضح: رئيس غائب، بالحجة أو بالصمت.
الغريب فقط أن نستغرب.

حين ينشغل رئيس الجماعة بمكتبه المهني أكثر من انشغاله بالجماعة،
وحين تدرّ عليه مداخيل خارجية بملايين الدراهم سنويًا،
فلا تنتظروا رئيسًا قريبًا من الساكنة،
ولا مجلسًا منتجًا،
ولا سياسة تنبض بهموم الناس.

استفيقوا…
الرئيس الذي يحقق مداخيل بهذا الحجم خارج الجماعة،
لن يُفرغ جهده داخلها.
في هذه الحالة، تتحول السياسة إلى عبء ثانوي،
ويصير الكرسي مجرد وسيلة لتنظيم الوقت،
لا أداة لخدمة المواطن.

لنتخيّل فقط، دون اتهام:
أن يكون رئيس الجماعة مهندسًا،
أو أن يكون هو وأحد أفراد عائلته مهندسَين،
وأن يُستفاد من الموقع لتسهيل المساطر.
القانون يتيح لكل مهندس إنجاز ما يقارب 12 تصميمًا في الشهر،
ومع فرد من العائلة يصبح العدد 24 تصميمًا شهريًا.
نفترض – بأضعف الاحتمالات –
أن ثمن التصميم الواحد لمشاريع كبرى هو 50 مليون سنتيم
(أي 500.000 درهم).

الحساب الافتراضي بسيط:
24 تصميمًا × 500.000 درهم = 12.000.000 درهم شهريًا
12.000.000 × 12 شهرًا = 144.000.000 درهم سنويًا

نعم… 144 مليون درهم في السنة.
أرقام كافية لإسكات أي خطاب عن التطوع من أجل الصالح العام،
وكافية لإظهار الفرق بين من يجلس على الكرسي لخدمة الجماعة،
ومن يجلس عليه لحماية مكتبه ومداخيله.

قد يقول قائل:
الميثاق الجماعي ربما يحمي رئيس الجماعة،
ولا وجود – نظريًا – لتضارب المصالح.
لكن إن مشينا خطوة نحو القضاء،
فإن المشرّع واضح:
القانون الجنائي المغربي يعاقب جريمة استغلال النفوذ
بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات.
وإن أردنا تبسيط الأمور،
وبمنطق «الخوشيبات» و«أين الدليل؟»،
فالحل واضح:
المطالبة بالتصريح بالمداخيل
قبل رئاسة الجماعة
وبعد رئاستها.

لكن الإشكال لا يقف عند الرئيس وحده.
فلنعد خطوة إلى الوراء،
ولننظر إلى نواب الرئيس ورؤساء اللجان وأعضاء المجالس.

وفق قانون الجماعات الترابية 113.14،
يتراوح التعويض الشهري لرئيس الجماعة بين 15.000 و25.000 درهم،
بينما يتقاضى نواب الرئيس ورؤساء اللجان تعويضات
تتراوح ما بين 8.000 و15.000 درهم،
مع بدلات حضور قد تصل إلى 1.000 درهم عن كل جلسة.
أرقام معروفة، محددة، ومعلنة.
هنا لن نتحدث عن مهندس أو رجل أعمال،
بل عن منتخبين دخلوا المجالس
وهم في وضعية اجتماعية هشّة،
بلا دخل قار،
بلا نشاط اقتصادي معروف،
نعرفهم ونعرف أسرهم،
نعرف أن زوجاتهم عاطلات،
وأنهم، إلى وقت قريب،
كانوا على هامش المجتمع.
ثم، فجأة…
يتغير كل شيء.
تحسن في نمط العيش،
حركية غير معتادة،
وضع اجتماعي جديد
لا تفسره هذه التعويضات وحدها.

وهنا، مرة أخرى،
لا اتهام ولا تشهير،
بل سؤال مشروع:
هل تكفي هذه التعويضات لإحداث هذا التحول؟
الجواب واضح.
التعويض، مهما بلغ،
لا يصنع ثراءً،
ولا ينقل شخصًا من الهشاشة إلى اليسر بين ليلة وضحاها.
ما يعني أن الإشكال ليس في التعويض،
بل في ما يتيحه المنصب من……..
وفي الأبواب التي قد تُفتح بعيدًا عن أعين الرقابة.

وهنا نعود إلى السؤال الجوهري:
أين هي آليات الرقابة؟
أين تتبع الذمة المالية؟
أين المراقبة القبلية والبعدية؟
كيف يُعقل أن يتغير وضع منتخب محلي جذريًا
دون أن يُطرح سؤال بسيط:
من أين لك هذا؟
نحن لا نحفر في قبور الرؤساء،
ولا نُفتّش في النوايا،
بل نفهم، ونحلل،
ونضع المواطن في الواجهة.

والآن، لنطرح السؤال الذي لا يحبّه أصحاب الكراسي:
بعد كل هذا،
هل يمكن تصديق أن أحدًا لن يتقاتل على كرسي رئاسة الجماعة في الولاية القادمة؟
هل الكرسي، فعلًا، عبء سياسي؟
أم أنه جزء من معادلة مربحة،
حيث السلطة لا تُغري بالخُطب…
بل بالأرقام؟

الخلاصة بسيطة:
الجماعات لا تُدار بالنيّات، بل بالتفرغ.
ومن كان عقله في مكتبه،
ووقته في مداخيله،
فلن يكون قلبه في الجماعة،
مهما طال جلوسه على كرسيها.

السياسة ليست وظيفة إضافية بعد الدوام،
ولا هواية تُمارس بين ملف وشيك.
هي مسؤولية كاملة… أو لا تكون.

المدينة لا تحتاج رئيسًا “ناجحًا” في حسابه البنكي،
ولا منتخبين تغيّرت حياتهم،
بل تحتاج مسؤولين يغيّرون حياة الناس.
وإلا…
فالأرقام وحدها كفيلة بالحكم،
والكرسي – مهما طال الجلوس عليه –
لا يصنع رئيسًا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق