بقلم: غزة مجيد
لا غرابة أن تباغتنا جمعية مغرب المستقبل بخطوة جديدة تعكس ما دأبت عليه منذ سنوات: تحويل النقاش المحلي من لغة “الترقيع” و”الإطفاء” إلى لغة المشاريع الكبرى. فالعريضة التي رفعتها الجمعية لمجلس جهة بني ملال خنيفرة، من أجل إدراج إحداث “المعهد الجهوي للسمعي البصري والمهن السينمائية بخريبكة”، ليست مجرد ورقة إدارية وُقّعت في أجل قانوني، بل هي إعلان ثقافي بأن خريبكة قادرة أن تحلم خارج أفق الفوسفاط والغبار.
الجمعية اختارت أن تراهن على العقل الناعم للمدينة: السينما والإعلام. مدينة مهرجان السينما الإفريقية لا يليق بها أن تبقى متفرجة من الصفوف الخلفية، بينما طلابها يقطعون مئات الكيلومترات نحو البيضاء أو الرباط بحثاً عن تكوين لم يجدوه في مدينتهم. هنا تضع الجمعية أصبعها على الجرح: شباب يملك موهبة، لكنه يفتقر إلى فضاء، إلى كاميرا، إلى قاعة مونتاج، وإلى معهد يحتضن أحلامه.
الأسباب التي قدمتها العريضة تكاد تختصر واقع الجهة: هشاشة اجتماعية تجعل تكاليف الدراسة خارجها عبئاً ثقيلاً، ضعف تكوين محلي، غياب صناعة سينمائية رغم وجود أعرق مهرجان إفريقي على أرضها. أليست هذه مفارقة صارخة؟ أن تستقبل خريبكة المخرجين العالميين بالبساط الأحمر، فيما أبناؤها لا يجدون حتى كرسياً في قاعة للتكوين؟
من هنا نفهم أن الجمعية لم تُلقِ ورقتها اعتباطاً، بل استندت إلى الدستور (الفصلين 26 و33)، وإلى القانون التنظيمي للجهات، وإلى وثائق التخطيط الترابي والتنمية الجهوية. بمعنى آخر: وضعت الفكرة في إطارها الدستوري والتنظيمي حتى لا تتحول إلى حلم عابر.
لكن، ما بين العريضة والقرار مسافة طويلة. فهل سيتعامل مجلس الجهة مع هذا المقترح كملف تنموي استراتيجي، أم كحلم إضافي يُضاف إلى رفّ العرائض المؤجلة؟ وهل سيفهم المنتخبون أن الاستثمار في السينما والإعلام ليس ترفاً، بل رافعة اقتصادية قادرة على خلق فرص شغل، وجذب استثمار، وصناعة صورة جديدة للجهة؟
في النهاية، تبقى مغرب المستقبل وفية لاسمها: كلما ظن الناس أن الجمعيات لا تتقن غير لغة الشكايات الصغيرة، تأتي لتقول: المستقبل يُصنع هنا، من خريبكة، من مدينة الفحم والسينما معاً.
