التبوريدة.. البارود الذي يكتب ذاكرة أولاد عبدون

8 أغسطس 2025
التبوريدة.. البارود الذي يكتب ذاكرة أولاد عبدون

بقلم: غزة مجيد

في خريبكة، حين يعلو صوت البارود على صمت المدينة، تعرف أن موسم التبوريدة عاد ليمنح الأرض نبضها القديم. أولاد عبدون لم تغيّر موعدها مع التاريخ: ثلاثة أيام من صهيل الخيل ورائحة البارود، تحت شعار التبوريدة.. هوية وتراث، وكأنها تذكّر الجميع بأن الفروسية هنا ليست ترفاً، بل جزء من شجرة العائلة.

الخميس 7 غشت، تحوّل تراب أولاد عبدون إلى ميدان واسع للفرجة والإثارة. ما يقارب 6000 زائر حجّوا من القرى والمدن والجهات المجاورة، لمشاهدة 25 سربة خيل وهي تستعرض مهارتها، وسط غبار الصيف وسماء تتفتح فيها غيوم البارود. أكثر من 250 كيلوغراماً من البارود أُعدّت لتوقيع لوحات جماعية، فيها الانضباط وفيها الفخر، وفيها أيضاً رسالة أن الموروث اللامادي ما زال يملك جمهوره.

المنصة الرسمية ضمّت عدداً من الشخصيات المدنية والأمنية: القبطان ياسر سامي، قائد سارية الدرك الملكي بخريبكة، عتيران علاء، قائد قيادة أولاد عبدون، رئيس الجماعة بوعبيد عرسة، وأعضاء المجلس، إلى جانب رئيس الدائرة عبد الرفيع لمعلم الذي أشرف على الانطلاقة الرسمية. لكن الأنظار في الميدان لم تكن تتجه إلى المنصة بقدر ما كانت معلقة على حركة الفرسان وتناسق البنادق في لحظة الإطلاق.

80 خيمة نُصبت على أطراف الميدان لاستقبال الفرسان والزوار، وتحولت إلى فضاءات للضيافة وحكايات الليل، حيث الشاي يغلي على الفحم، والفرسان القدامى يلقّنون الشباب أسرار الإمساك بالبندقية وضبط النفس مع إيقاع السربة.

الموسم لم يكن مجرد عرض تراثي؛ كان أيضاً سوقاً مفتوحة للمنتوجات المحلية والحرف التقليدية، ومساحة للقاء أبناء المنطقة المهاجرين الذين عادوا في عطلتهم الصيفية. وبين ضجيج الخيل ورائحة البارود، كان الحاضرون يستشعرون أن هذا الحدث أعمق من فرجة: هو استعادة للذاكرة الجماعية، وتذكير بأن هوية المكان تُحفظ في ميادينه قبل أن تُكتب في محاضر الجماعات.

أولاد عبدون، وهي تواصل هذا التقليد، تؤكد أنها واحدة من معاقل الفروسية التقليدية بجهة بني ملال – خنيفرة، وأن البارود، مهما تغيّرت الوجوه في المنصات الرسمية، سيبقى يدوّي باسم الأرض وأهلها.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept