عادل بركات… حين تُصبح الجهة فاعلاً لا متفرجاً

21 يوليو 2025
عادل بركات… حين تُصبح الجهة فاعلاً لا متفرجاً

بقلم: غزة مجيد

في مغرب اليوم، لم تعد الجهات تُقاس فقط بعدد الجماعات أو مساحة الجبال أو معدل التساقطات، بل باتت تُقاس بما تنتجه من معنى سياسي، وما تقدمه من حلول واقعية لمواطن سئم انتظار الدولة المركزية.

وفي جهة بني ملال-خنيفرة، حيث كان الهامش عنوانًا لزمن طويل، بدا أن رئيس الجهة عادل بركات فهم المعادلة جيدًا: إما أن تكون الجهة قاطرة فعلية للتنمية، أو تبقى مجرد إدارة موسعة تُكرر ما تقوله الرباط… بعد التأخير.

لذلك، اختار الرجل أن يجعل من الذكرى 26 لجلوس الملك على العرش فرصة للعمل لا للعرض، للميدان لا للبلاغ، وأشرف يوم الاثنين 21 يوليوز، رفقة والي الجهة محمد بنرباك، ومسؤولين ومنتخبين، على إطلاق حزمة مشاريع تنموية موزعة على جماعات تانوغة، دير القصيبة، ناوور وتاكزيرت.

ما يفوق 190 مليون درهم رُصدت في يوم واحد. مدارس، طرق، إنارة، ماء، ملاعب، مراكز كهرباء… مشاريع موزعة بعناية، تُوحي بأن الجهة بدأت تشتغل بعقل تخطيطي لا بعاطفة انتخابية.

لكن في منطق بوعشرين، الأرقام لا تكذب، نعم، لكنها لا تكفي لتُقنع العقل الناقد. لأن السؤال ليس كم صرفنا؟ بل كيف؟ ولماذا هنا؟ وما الأثر؟ وهذا ما يبدو أن عادل بركات يحاول أن يجيب عليه بالفعل، لا بالتصريحات.

فحين يُقرَّر بناء ثانوية بمليار سنتيم في تانوغة، وتُطلق إنارة في دواوير ناوور المعزولة، ويُؤهَّل مركز دير القصيبة، وتُعبّد طرق نائمة منذ الاستقلال، فإن الجواب واضح: الرئيس لم يأتِ ليراهن على العاصمة، بل ليراهن على الدوار.

بركات لا يشتغل وحده. من البداية، ظهر أنه يُراهن على فريق، لا على الزعامة الفردية. حضوره مع الوالي، ومع المجلس الإقليمي، ومع رؤساء المصالح، لم يكن صدفة بروتوكولية. بل كان إشارة بأن الجهة لا تُبنى بقرار فوقي، بل بتنسيق أفقي.

وهو ما يُعيد طرح سؤال مهم: هل بدأت الجهوية في المغرب تتحرر من وصاية “الرباط”، وتبني لنفسها عقلها التنفيذي؟ إذا كان الجواب نعم، فإن ما جرى في بني ملال هو النموذج

ما يُميز هذا النمط من التدبير هو غياب الضجيج، وغياب لغة الصراع. لم يُعلن بركات “ثورة تنموية”، لم يتهم أحدًا، لم يرفع شعارات براقة، بل اكتفى بأن يشتغل. وهنا يكمن التحول الحقيقي: في صمت الإدارة الفعّالة، لا في ضجيج الحملات.

وبين تدشين مركز كهربائي بـ124 مليون درهم في تاكزيرت، وتزويد دواوير بالماء في ناوور، وتوسيع طرق بـ42 مليون في دير القصيبة، يتكرّس نموذج جديد: التنمية التي تسبق الميكروفون.

اختار عادل بركات أن يربط ذكرى العرش بالتنمية، وأن يُحوّل المناسبة من مجرد احتفال سياسي إلى بيان نوايا ترابية. وهي إشارة ذكية بأن الدولة الحديثة تُقاس اليوم بما تقدّمه للمواطن، لا بما تقوله عنه.

ففي زمن تتراجع فيه الثقة بالمؤسسات، يصبح الإنجاز هو البلاغ السياسي الأكثر إقناعًا. وبركات فهم هذه القاعدة، واشتغل على أساسها.
في النهاية، لسنا أمام رئيس جهة فقط، بل أمام عقل جهوي يحاول أن يُقنعنا بأن الهامش يمكن أن يُنتج نموذجًا تنمويًا هادئًا، بعيدًا عن الصراع، قريبًا من الناس.

وقد لا تُحبه العدسات، ولا يدوّي صوته في الإعلام، لكنه يُعيد تعريف الوظيفة السياسية في الجهة: أن تُنجز بصمت، لا أن تُبرر بفصاحة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept