زنقة36_غزة مجيد
خطوة جديدة تكتبها مجموعة OCP بحبر الماء في سجل السيادة الوطنية. ففي زمن الأزمة المائية التي تحاصر المغرب منذ سنوات، اختارت المجموعة أن تسابق العطش، وتستبق الطوارئ، وتحوّل التحديات إلى فرص.
OCP Green Water، هذا الذراع الأخضر الطموح، نجح في تشغيل خط أنابيب الجرف الأصفر – خريبكة (J2K)، الذي ينقل الماء المحلى من قلب الأطلسي إلى قلب أكبر منجم للفوسفاط في العالم، على امتداد أكثر من 200 كيلومتر. مشروع هندسي غير مسبوق، يختزل طموح الصناعة المغربية حين تقرر ألا تكتفي بالاستخراج، بل تراهن على الابتكار والسيادة المائية.
هذا الأنبوب، الذي شُيّد في ظرف قياسي لم يتجاوز 24 شهرا، ليس مجرد قناة فولاذية، بل تجسيد عملي لرؤية OCP: أن تتخطى مناجمها ومعاملها ارتهانها للموارد المائية التقليدية، وأن تنتقل نحو اكتفاء ذاتي يقوم على تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة، باستعمال الطاقة الخضراء، وبشراكات مع مختبرات وجامعات مغربية، على رأسها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية.
وإذ تدشن خريبكة مرحلة جديدة ستشرب فيها من مياه البحر المحلاة، تكون OCP قد وفرت 80 مليون متر مكعب سنويا، ووضعت المدينة على سكة الأمن المائي، تماما كما سبق أن فعلت مع آسفي والجديدة وجنوب الدار البيضاء.
في ابن جرير أيضا، لم تنتظر المجموعة مواعيد 2027. منذ 15 يونيو 2025، أصبحت منشآت الكنتور تعتمد حصريا على مياه معالجة قادمة من محطة مراكش، في تجربة أخرى تؤكد أن زمن الماء الرخيص والوفير قد ولى، وأن البقاء للأكثر قدرة على ابتكار الحلول.
المفارقة أن مشاريع بهذا الحجم ليست مجرد أرقام ولا بلاغات علاقات عامة. فهي تخلق مناصب شغل، وتحرّك نسيجا مقاولاتيا محليا، وتفتح شهية الجماعات الترابية والمقاولات الصغرى على الانخراط في سلسلة توريد جديدة. مليون يوم عمل، و1300 فرصة تشغيل يومية خلال مرحلتي الإنجاز، و100 منصب دائم بعد التشغيل، هي أكثر من مجرد حوافز اقتصادية، إنها دليل ملموس على أن الاستثمار في الماء هو استثمار في التنمية أيضا.
اليوم، تتهيأ OCP لإطلاق مرحلة ثالثة: خط أنابيب آسفي – الكنتور (S2G)، الذي سيربط محطة تحلية آسفي بمنصات صناعية جديدة، مع وعود واضحة بتزويد مراكش واليوسفية وابن جرير بمياه صالحة للشرب في أفق 2027.
وراء هذا السباق مع الزمن، هناك رهان أكبر: أن يكون المغرب في قلب إفريقيا نموذجا في تدبير الندرة المائية، وأن تتحول تحلية المياه ومعالجتها إلى رافعة سيادية لا تقل أهمية عن السيادة الطاقية والغذائية.
OCP Green Water لا تكتفي بتوفير 320 مليون متر مكعب من المياه غير التقليدية هذه السنة، بل ترفع السقف عاليا نحو 610 ملايين متر مكعب بحلول 2027، لتلبي حاجيات الصناعة والساكنة، وتمنح المملكة أفقا أكثر أمانا في مواجهة سنوات الجفاف المقبلة.
في هذا الزمن العصيب الذي تحفر فيه ندرة المياه أخاديدها في حياة الناس، تسعى المجموعة العملاقة إلى إثبات معادلة بسيطة: العلم والتخطيط والجرأة الاستثمارية يمكن أن يكونوا بديلا عن الانتظار والشكوى.
حين تلتقي التكنولوجيا بخبرة المقاولة الوطنية، ويجتمع الطموح الصناعي مع الوعي البيئي، يمكن للأنابيب الفولاذية أن تصبح شرايين حياة، ولتحلية المياه أن تصنع سيادة… سيادة هادئة ولكن صلبة.
—