زنقة 36_غزة مجيد
تخيلوا أن عشرات الآلاف من المواطنين، بنفس الكثافة والوعي والتنظيم، قرروا أن يخرجوا ضد الحكومة، ضد قراراتها ، ضد صمتها الصفيق، وضد جمودها المزمن في مواجهة معاناة المواطنين.
تخيلوا لو كانت المسيرة، من اول محطة إلى البرلمان، ضد حكومة لم تنجح في شيء سوى التبرير.
كلما ارتفع السعر، قالوا السوق هو السبب.
كلما غاب الدواء، قالوا الأزمة عالمية.
كلما سئلوا عن الحلول، تحدثوا عن الرؤية، والاستراتيجية، والتحول الرقمي… في حين أن المواطن لا يجد حتى التحول من الطابور إلى الرف.
تخيلوا لو الشعب خرج يطالب بإقالة حكومة فشلت في وقف نزيف الأسعار، وفشلت أكثر في تقديم تفسير لما يحدث.
حكومة تقف تتفرج على درهم البنزين وهو يصعد، ثم تطلب من الناس أن يقتنعوا بدراجة كهربائية، بينما وزراؤها يتنقلون في سيارات الدفع الرباعي.
تخيلوا لو خرجنا لمحاسبة حكومة صرفت المليارات على برامج الدعم، ليكتشف المواطن في النهاية أن الدعم ذهب، ولم يصل.
أن الأعلاف دُعمت، لكن المواشي اختفت.
أن المشاريع انطلقت، لكن لا أحد رآها تكتمل.
أن الصفقات وقّعت، لكن لا أثر لها في حياة الناس.
تخيلوا لو الشعب طالب بمحاكمة من بدّد المال العام ببرودة دم، وابتسامة أمام الكاميرا.
من يغيرون سياراتهم أكثر مما يغيرون مواقفهم.
من يسافرون لعقد لقاءات عن الفقر والهشاشة في فنادق من فئة خمس نجوم.
تخيلوا لو هذه الحشود نزلت لتقول: كفى من حكومة تُدير البلاد كأنها شركة فاشلة… دون مجلس إدارة، ولا محاسبة!
حكومة لم تفِ بوعودها.
حكومة جاءت بـبرنامج حكومي أنيق، ثم اختبأت وراءه لتفعل العكس.
حكومة لا يظهر صوتها إلا في البلاغات، ولا يتحرك وزراؤها إلا في افتتاحيات المناسبات.
تخيلوا لو الشعب قال: بغينا حكومة تُحاسب، لا حكومة تُمدّد.
لا حكومة تصف من ينتقدها بـ الشعبوي، ومن يسائلها بـ العدمي، ومن يحتجّ بـغير الناضج سياسيًا.
لا حكومة تنطق كثيرًا في الإعلام، وتصمت تمامًا عند الأزمات.
لكن لا تخافوا…
هذا مجرد تخييييييل…
لأن الواقع – في نظر الحكومة – لا يحتاج إلى إصلاح، بل يحتاج فقط إلى بلاغ مطمئن، و وزير يبتسم، وشعب يتحمّل بصمت.
لكن إلى متى…؟