زنقة36
تستمر وزارة الداخلية في حملتها ضد الفساد المرتبط بالصفقات العمومية، حيث فتحت مفتشيتها العامة للإدارة الترابية تحقيقات جديدة حول شبهات تلاعب بعض رؤساء الجماعات الترابية في منح الصفقات وتسهيل مرورها لمقاولات محددة، مما أثار تساؤلات حول نزاهة عمليات إبرام الصفقات العمومية التي يفترض أن تكون شفافة وتحت رقابة صارمة.
وحسب مصادر مطلعة، فإن التحقيقات الجارية تركز على كشف عمليات تورط فيها رؤساء جماعات في تسريب معلومات سرية حول محتويات طلبات العروض وسندات الطلب، مما مكن بعض المقاولات من الاطلاع على تفاصيل حساسة، والاستفادة منها لضمان تطابق عروضها مع دفاتر التحملات المعدة مسبقاً على مقاسها. وتمثل هذه الخطوة خرقاً واضحاً لمبدأ تكافؤ الفرص، وتساهم في إقصاء المقاولات الأخرى، التي كانت لتكون قادرة على المنافسة بشكل شريف.
ولم تتوقف الشبهات عند نقل المعلومات فقط، بل أشارت نفس المصادر إلى تدخلات مباشرة لبعض رؤساء الجماعات في إعداد طلبات عروض موجهة نحو مقاولات محددة، خصوصاً في مجالات الصيانة، البناء، وتنظيم التظاهرات، وتوريد المعدات والتجهيزات. ووفقاً لمعلومات توصلت بها المفتشية، فإن بعض هذه الصفقات بدت بقيم مالية لا تتناسب مع التكاليف الفعلية المطلوبة، مما أثار شكوك المفتشين حول جدوى هذه الصفقات، إذ أن القيمة المنخفضة قد لا تغطي حتى تكاليف التشغيل للمقاولات التي فازت بها، خاصة عندما يكون مقر المقاولة بعيداً عن موقع تنفيذ المشروع أو مكان تسليم الخدمة.
كما كشفت التحقيقات الأولية أن بعض رؤساء الجماعات تربطهم علاقات مشبوهة مع أرباب مقاولات استفادت من هذه الصفقات مقابل عمولات وامتيازات، الأمر الذي دفع مصالح التفتيش إلى توسيع نطاق أبحاثها لتحري مزيد من التفاصيل. وتورد المعلومات أيضاً أن بعض المقاولات الصغيرة تعرضت لضغوط كبيرة لتقديم عروض مشتركة مع شركات مقربة من المنتخبين لضمان حصولهم على الصفقات، وذلك رغم أن هذه العمليات تتم بشكل إلكتروني عبر البوابة الوطنية للصفقات العمومية. إلا أن صياغة طلبات العروض ودفاتر الشروط (CPS) ظلت تحت سيطرة الإدارات الجماعية، مما يسهل توجيه الصفقات لمقاولات معينة.
وواجهت المقاولات الصغيرة والصغيرة جداً منافسة غير عادلة في الحصول على الصفقات وسندات الطلب الصغيرة، وهو ما يتعارض مع مقتضيات المرسوم رقم 2.22.431 المتعلق بالصفقات العمومية، الذي ينص على تخصيص 30% من القيمة الإجمالية للصفقات السنوية لفائدة المقاولات المتوسطة والصغيرة، بما فيها المقاولات الناشئة والمبتكرة. ورغم رفع السقف المالي لسندات الطلب إلى 500 ألف درهم، إلا أن هذه الفئة من المقاولات لم تتمكن من الوصول إلى الصفقات بسهولة بسبب استحواذ شركات كبيرة على عقود كانت موجهة أصلاً لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.
في هذا الإطار، شملت تحقيقات المفتشية ملفات صفقات عمومية تعثرت بسبب ضعف القدرات المالية لبعض المقاولات التي أسندت لها، ما اضطر الجماعات لتحمل التكاليف الإضافية لإتمام الأشغال، ودخلت بعضها في منازعات قانونية كبدتها خسائر مالية إضافية.
وتأتي هذه التحقيقات في ظل مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، حيث تتصاعد دعوات لإعادة النظر في التشريع المنظم للصفقات العمومية، خاصة تلك المرتبطة بسندات الطلب. وتهدف هذه الدعوات إلى إتاحة فرص أكبر للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي، وللتصدي لظاهرة استحواذ المقاولات الكبرى، التي تتجه لتأسيس شركات تابعة بغرض المنافسة على الصفقات الصغيرة، مستغلة قوتها المالية واللوجستية في السوق.
تحقيقات وزارة الداخلية تأتي لتعزيز الشفافية والمساءلة في تدبير المال العام، ولفتح المجال أمام جميع المقاولات للتنافس بشفافية ودون تأثيرات خارجية، في خطوة تأمل الحكومة من خلالها تعزيز ثقة المستثمرين والشركاء في البيئة الاقتصادية بالمغرب، ووضع حد لظاهرة الفساد في الصفقات العمومية التي أصبحت تؤثر سلباً على المشاريع التنموية في البلاد.