زنقة36_غزة مجيد
تبدو الانتخابات الجزئية المقررة في 22 أكتوبر 2024 وكأنها جاءت في أسوأ توقيت ممكن، فهي تتزامن مع موسم أبو عبيد الله محمد الشرقي في أبي الجعد، الذي سيقام من 23 إلى 27 أكتوبر. الناخب في أبي الجعد في موقف لا يحسد عليه، يتعين عليه اتخاذ قرار حاسم: هل يستمع إلى المرشح وهو يكرر نفس الوعود القديمة التي حفظها عن ظهر قلب؟ أم يتوجه لمشاهدة الفرسان ينطلقون بخيولهم وسط البارود في موسم التبوريدة؟ الجواب على هذا السؤال قد يكون محرجاً بعض الشيء للمرشحين: “فين الخيل؟”
في هذا المشهد، يبدو الناخب محاصراً بين خيارين. من جهة، مرشح يحاول إقناع الناس بخطة تنموية تبدو خيالية أكثر من واقعية، مستخدماً مصطلحات مثل “الاستثمار الأجنبي” و”الطرق المعبدة”، وكأنه يُلقي خطبة اقتصادية في منتدى عالمي. وفي الجهة الأخرى، فارس على ظهر حصانه، يرفع بندقيته التقليدية ويطلق طلقة مدوية في السماء، فتنطلق الزغاريد من النساء ويصفق الرجال بحماس.
تخيلوا الناخب يجلس هناك، يستمع إلى خطاب سياسي ممل، وفي داخله يتساءل: “هل هذه الطلقة الحقيقية أم مجرد طلقات فارغة مثل وعود المرشح؟” الحقيقة أن الناخب في أبي الجعد يعرف جيداً أن مشاريع التنمية التي يتحدث عنها المرشح قد لا تتعدى تلك اللافتات الملونة التي تزين الشوارع في موسم الانتخابات. أما الفارس، فهو لا يحتاج إلى لافتات. يكفيه الحصان والبارود ليحظى بالتصفيق الحقيقي.
الناخب يجد نفسه أمام مأزق طريف. كيف يمكنه أن يترك الأجواء الحماسية لموسم التبوريدة، برائحة البارود ووقع حوافر الخيول، ليذهب إلى مركز الاقتراع ويستمع لمرشح يعده بـ”مستقبل مزهر”؟ يبدو أن الطريق إلى صندوق الاقتراع مليء بالمحطات التراثية المثيرة، وربما يكون أصعب من الطريق الذي يروّج له المرشح.
وفي تلك اللحظة التي يحاول فيها المرشح أن يبتسم للكاميرا في إحدى جولاته، نجد الناخب يفكر: “هل يمكنني استبدال وعدك الانتخابي هذا بتذكرة دخول مجانية لمهرجان التبوريدة؟” وفي ذهنه فكرة أخرى تدور: “أين الحصان؟ أليس الفارس أكثر إقناعًا من المرشح؟.
الأمر لا يتوقف عند ذلك، فهناك مرشحون شباب يثيرون التساؤلات في أذهان المواطنين: “هل يقدمون أنفسهم مرشحين أم سيقدمون لنا أولياء أمورهم؟” قد يجد الناخب نفسه أمام شاب يقف أمام الميكروفون، غير متأكد من خطواته، يترقب حضور والده ليدعمه في الوعود التي قدّمها. يا له من مشهد، فالناخب يفكر: “ربما يجب أن يتعلم هؤلاء المرشحون ركوب الحصان أولاً قبل أن يتحدثوا عن قيادة المستقبل!”
ثم نجد نوعًا آخر من المرشحين الذين يعرفون المدينة فقط من خلال الفيسبوك. هؤلاء “المرشحون الفايسبوكيون” يخططون لحملاتهم الانتخابية وهم بالكاد يعرفون أحياء أبي الجعد. كل ما يعرفونه هو منشورات وتحديثات عن “أصحاب الشكارة”، وكأنهم في مهمة تعقب على الفيسبوك. كلما رأوا أحدهم يقول: “ها هو داز من هنا، ها هو مشا عند هدوك!” مشهد يثير الضحك، فهؤلاء يبدون وكأنهم في لعبة مطاردة أكثر من كونهم مرشحين جادين.
النتيجة قد تكون مضحكة: المرشحون يحاولون إقناع الناخبين بأن التصويت واجب وطني، بينما الناخب مشغول في تحديد أي خيمة تبوريدة سيزور أولاً. وفي هذا السباق بين الحصان والمرشح، يبدو أن الخيل هو الفائز الحقيقي، سواء في ميدان التبوريدة أو في صناديق الاقتراع. أما المرشحون، فيبدو أن عليهم تعلم ركوب الحصان جيداً قبل أن يحاولوا امتطاء السلطة. وفي النهاية، التبوريدة أولاً، أما الانتخابات… فهي مجرد فاصل ساخر في مسرحية طويلة، والناخبون يضحكون.