بقلم: غزة مجيد
أُغلقت النوافذ في دوار لمراهنة، وأُسدل الستار على أحلام أهل خريبكة بجوٍ نقي، بينما هواء الليل يحمل للبيوت وأحياء المدينة روائح مطرح النفايات الثقيلة، وتدخل في أنوف الصغار والكبار مع كل نسمة عابرة لم تعد بريئة كما كانت في سبعينات المدينة الذهبية.
القصة تبدأ من مطرح النفايات بطريق الفقرة، حيث النيران تتغذى على أكوام القمامة، وتنتج سحابة من روائح الخيبة والغاز السام. لم تعد الشكوى مسألة قرى هامشية أو دوار منسي بين سهول الفوسفاط، بل صارت كل شوارع خريبكة تتشارك صداع الروائح، وكل حي يدخل، رغم أنفه، في عداد المتضررين. من حي الهناء إلى حي الأطلس، ومن شارع مولاي إسماعيل إلى دوار لمراهنة… الجميع هنا يتنفس الضرر.
المشهد السياسي لا يغير نداء السكان: مجلس جماعي ، منشغلٌ بحسابات ضيقة، يوزع الوعود كمن يبيع سراب الأمل في سوق النخاسة . بينما الأزبال تُحرق والمقاولات تحتكر ميزانيات النظافة دون احترام دفتر التحملات أو حتى الحد الأدنى من المراقبة. سؤال البديهة: كم من غاز سام يجب أن يحاصر المدينة حتى يتحرك المسؤولون؟ وكم من كحة ليلية يجب أن تهاجم الأطفال قبل أن تستفيق اللجنة الإقليمية؟.
يخجل بعض الرؤساء الجماعيين من صور الأحياء التي كانت تفتخر بنظافتها، حين تحولت إلى مستودعات روائح ومرتع للأمراض والحشرات الليلية. بين فوضى التدبير وصمت الجهات المركزية، تضيع الحقوق البسيطة لسكان خريبكة في هواء لا يجرؤ أحد على الحديث عن نقائه، ويصير الشتاء والصيف سواء: ليال من الاختناق الجماعي وانتظار رياح ترحل بالرائحة والهموم بعيدًا… دون جدوى.
وتظل الكارثة البيئية معلقة مثل الرائحة فوق رؤوس الجميع: ساكنة دوار لمراهنة والأحياء المجاورة والبعيدة في سفينة واحدة، والجواب الوحيد حتى الآن التقارير ، تنتظر من المسؤول أن ينزل للميدان ويستنشق الواقع، بدل ترديد الجمل الإنشائية من وراء مكاتب مكيفة.
المدينة اليوم تختبر معنى الصبر البيئي، في انتظار تحقيق قد يأتي أو لا يأتي… لكن الرائحة، ستعكر ليالي خريبكة حتى إشعار آخر.