بقلم: غزة مجيد
في خريبكة، لم يعد المواطن بحاجة إلى نشرة جوية ليعرف درجة الحرارة، يكفي أن يخرج من بيته فيجد الجيليات منتشرة أكثر من الذباب، لا تحمل مظلات ولا تنقل أخبار الطقس، بل تحترف تنظيم الفوضى وتوزيع الأدوار في شارع اختلط فيه الأمني بالبلدي، والبلدي بالمتطفل، والمتطفل بالحارس الذاتي، والحارس الذاتي بسمسار الباركينغ، وكلهم يجمعهم قاسم مشترك: جيلي يعوض القانون.
الجيليات صارت ماركة مسجلة، لا أحد يعرف من منحها الإذن، ولا من يراقب تحركاتها، ولا من يضبط علاقاتها بجيوب المواطنين.
بعضهم يحمل صفارة، وبعضهم يحمل نظرة حادة، وبعضهم يحمل فقط وقاحة تكفي ليطلب منك دفع ثمن الهواء الذي تتنفسه بجانب الرصيف.
وإذا سألت أحدهم: من رخص لك؟
ردّ عليك بجملة مكلومة: آ سي، كنترزق الله
وكأن الله فوض له الاسترزاق في حقّك كمواطن.
أين المجلس الجماعي؟ أين السلطة المحلية؟
أم أن الجميع اختار اللعب دور النعامة، ودفن الرأس حتى تمرّ العاصفة، دون أن يسأل: من فوض هؤلاء؟ من يحاسبهم؟ ومن يضمن ألا يتحول الجيلي إلى سوط فوق رأس المواطن؟
في شوارع خريبكة، صار المواطن يشتري مكان وقوف سيارته، ويدفع ضرائب الطريق، وأجرة الحارس، ثم يخرج من جيبه قطعة نقدية لشخص لا تعرف هل هو متطوع، أم مندوب، أم مجرد ولد الحومة استيقظ صباحا فقرر أن يصبح سلطة ميدانية.
حتى الباركينغ، صار محجوزا عند الفجر، ولافتة ريزيرفي صارت تُحترم أكثر من علامات المرور.
الحقيقة أن الجيليات ليست هي المشكل، بل الصمت الذي يبارك وجودها، والفوضى التي تصنع لها الشرعية.
في مدينة تفتقر للتنظيم، ولحكامة حضرية حقيقية، يصبح الجيلي هو السيد، والمواطن هو المتهم.
وإذا استمر هذا الصمت، فإن القادم أسوأ…
وقد نصحو يوما لنجد حتى الأرصفة صارت بـتسعيرة، والمشي في الطريق العام يتطلب ترخيصا من جمعية أصحاب الجيليات!