بقلم: غزة مجيد
مدينة تعاني من انقطاع الماء، لكن منصتها مضاءة بالالاف
تخيلوا سكانًا لم يجدوا قطرة في الحنفيات، لكن وجدوا مكانًا للجلوس في حفل صاخب.
تخيلوا أطفالًا لم يستحموا منذ أيام، وأبناءهم يتمايلون على أنغام الشطيح والرديح.
تخيلوا أن الماء غاب، لكن الجماهير حضرت… والضمير غاب أيضًا.
تخيلوا مواطنًا يرقص ليلاً، ويكتب صباحًا تدوينة حزينة عن العطش.
تخيلوا شعبًا اختار الكمنجة بدل القنينة.
تخيلوا أن الجماعة تُحاسب على عدد الفنانين المدعوين، لا على عدد الأحياء العطشانة.
تخيلوا أن همّ المنتخب هو أن ينجح النشاط، لا أن يروي الظمأ.
تخيلوا أن الجماعة توزع الدعوات بدل قنينات الماء.
تخيلوا أن الجمهور صفّق حين نزل المغني، ولم يصفّر حين ارتفعت فاتورة العطش.
تخيلوا أن المواطن يتعرق في طابور مهرجان، لكنه لا يجرؤ على الاصطفاف لوقفة احتجاج.
تخيلوا أن النضال أصبح في الستوريات، والغضب مجرد بوست عابر.
تخيلوا أن الكرامة أصبحت رفاهية، والعطش مجرد عادة موسمية.
تخيلوا أن الوطن صار مسرحًا، والمواطن كومبارس يرقص ولا يعترض.
تخيلوا أن الماء سلعة نادرة، والفرجة متوفرة بأبخس الأثمان.
تخيلوا أن الشعوب تموت عطشًا… بينما هي تصفق لنهاية السهرة.
تخيلوا فقط… أننا اخترنا أن نرقص على أنقاض حقنا، ونلوم الدولة ونحن نرفع صوت الموسيقى.
تخيلوا أننا ندفن الغضب في هاشتاغ، ونعتقد أننا قمنا بالواجب.
وتخيلوا أكثر…
تخيلوا أن رئيس الجماعة – وهو المسؤول الأول عن المدينة –
هو نفسه الساهر قانونًا على نظافة مجاري المياه،
والماء الصالح للشرب،
وضمان حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة لاستهلاك العموم،
بل وحتى مياه السباحة…
ومع ذلك، اختفى بين أضواء الحفل، كأن الماء لا يعنيه، وكأن العطش من اختصاص وزارة الثقافة!
تخيلوا ببساطة، أن من يوقّع على برنامج السهرة،
لا يوقّع على إصلاح قنوات التوزيع.
وتخيلوا أن من يحتفي بالأغنية،
لا يسمع صوت صنبورٍ يئن جفافًا.
لم يبقَ لنا إلا أن نتخيل…
فالتخيل آخر ما لم تصادره السلطة،
وآخر ما لم يفسده مهرجان،
وآخر ما لم يُقطع مثل الماء.
لم يبقَ لنا إلا أن نتخيل وطناً لا يعطش،
ومواطناً لا يرقص فوق وجعه،
ومسؤولاً يخجل من تصفيقٍ في زمن الصمت.
لم يبقَ لنا إلا أن نتخيل…
أو أن نعطش بصمت، ونرقص بصوتٍ أعلى.