زقة36_غزة مجيد
سطات – في مشهد تختلط فيه رمزية القضاء بصرامة البحث الأكاديمي، ناقش الأستاذ يوسف الشيخ، النائب الأول للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بخريبكة، يوم الخميس بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات، أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، تحت عنوان: السياسة الجنائية لحماية المرأة، وذلك تحت إشراف الأستاذين العابد العمراني وأمحمد أقبلي. وقد توّجت المناقشة العلمية بمنحه ميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر، في اعتراف صريح بقيمة العمل وجرأته العلمية.
يوسف الشيخ، الذي خبر عروق السلطة القضائية من داخلها، لم يأت إلى الجامعة طالب شهادة فقط، بل حاملًا لهمّ مؤسساتي، ومُحمّلًا بأسئلة العدالة التي غالبًا ما لا تُطرح من على منصات الخطاب الرسمي. في اختياره لموضوع السياسة الجنائية لحماية المرأة، لم يلجأ للعنوان المألوف أو المعالجة التقليدية، بل غاص في تناقضات الواقع التشريعي، وعرّى المسافة بين النص وروح العدالة.
في زمن ترتفع فيه شعارات التمكين وتُستورد فيه مفاهيم النوع، يأتي الشيخ من عمق الواقع المغربي ليقول: حماية المرأة ليست مجرد خطاب نخبوي، بل اختبار حقيقي لنجاعة السياسة الجنائية، ولقدرة الدولة على حماية الطرف الأضعف حين تنهار التوازنات الاجتماعية.
الأطروحة، التي امتدت فصولها من مدرج الجامعة إلى دهاليز المحاكم، جاءت محملة بتجارب ميدانية وقضايا حية، تعكس معاناة نساءٍ وجدن أنفسهن في قفص الاتهام بدل قاعة الحماية. تحدث الشيخ عن الثغرات في التكييف القانوني، وعن ضعف التنسيق بين الأجهزة القضائية، وعن الصمت الذي يلف بعض الجرائم تحت عباءة الخصوصية.
بأسلوب علمي رصين، ونفس نقدي حاد، راجع الباحث الترسانة القانونية الجنائية من مدونة القانون الجنائي إلى قانون محاربة العنف ضد النساء، مرورًا بالممارسة القضائية وأداء النيابة العامة، دون أن يقع في فخ الانفعال أو المرافعة العاطفية.
منح الأطروحة ميزة مشرف جدا لم يكن مجاملة، والتوصية بالنشر لم تكن مجرد إجراء بروتوكولي. كانت إعلانًا بأن ما أنجزه يوسف الشيخ يتجاوز قاعة المناقشة، ليصبح وثيقة مرجعية يمكن أن تُستثمر في صناعة سياسة جنائية أكثر عدالة وواقعية. هو ليس باحثًا من برج عاجي، بل قاضٍ يرى القانون من خندق التطبيق لا من نوافذ التنظير.
يوسف الشيخ، القادم من عاصمة الفوسفاط، لم يكن غريبًا على مدرجات كلية سطات. حضوره في النقاش العلمي كان امتدادًا لدوره القضائي، ولكنه أيضًا بيان واضح بأن القاضي الذي يقرأ ويحلل ويفكك البنيات القانونية، هو أكثر نجاعة من القاضي الذي يكتفي بتوقيع المحاضر.
في زمن تُهَاجم فيه العدالة من بعض الأصوات الشعبوية، وفي لحظة يكثر فيها التبخيس تجاه المؤسسات، تأتي هذه الأطروحة كرسالة ضمنية: أن القضاء ما زال ينجب عقولا تكتب بلغة البحث العلمي، وتجادل بوقائع الواقع، وتؤمن بأن الحماية الحقيقية للمرأة تبدأ من نص منصف، وقاضٍ واعٍ، ومجتمع لا يشرعن الصمت.