زنقة36_مجيد غزة
تروى القصص القديمة والحديثة على امتداد إقليم خريبكة ببولنواروحطان وبوجنيبة والفقراء وأولاد عزوز والمفاسيس وباقي القرى المنجمية ، عن الفوسفاط و الموت في “الغار” أو”بالحشة” .
و يتقن أغلبية سكان إقليم خريبكة في المدن والقرى الحديث عن أسرار (الفوسفاط) أشهر منجم في المغرب والمثقفون منهم يقارنوه بذهب أقا وكوبالت ورزازات ونحاس زاكورة وفضة “زكوندر”، بتارودانت وفحم جرادة ورصاص وزنك ميدلت وأرفود والرشيدية وغاسول ميسور وحديد الناضور وغيرها …
لكن المنجم الوحيد الذي تغيبت عنهم أسراره فلا يعلمون بوجوده هو منجم الحديد المطمور بأيت عمار وهي منطقة بقبيلة بني خيران دائرة وادي زم إقليم خريبكة.
لا غرابة في أن يجهل جل المغاربة خارطة المناجم والمعادن الثمينة بالمغرب ومخزونها ومردوديتها …وأنى لهم أن يعلموا بأخبارها والجهات المعنية لا تعلن عنها ولا تكشف عن اسرارها… لكن الغريب في خريبكة أن يصعب على ساكنتها تحديد مكان منطقة أيت عمار فبالأحرى الحديث عنها كمصدر لثروة معدنية هائلة طويت في الكتمان .
وفي إطار البحث والمتابعة والتحقق و التقصي عن معلومات دقيقة تخص أيت عمار وحديدها ،شد طاقم “زنقة 36” الرحال إلى بني خيران دائرة وادي زم إقليم خريبكة ليستقي الأخبار من مصادرها عن كتب.
ووصلنا إلى أيت عمار، التي تبعد عن وادزم بحوالي 30 كلم وهي جماعة قروية صغيرة ، معزولة عن العالم في إحدى دوائر وادي زم، قيادة بني خيران.
ورحنا نستقي الأخبار ونلتقط المعلومات من السكان المحليين الذين كنا نقابلهم إما برفقة معارفنا أوعن طريق المصادفة…
وتكاد الشهادات والروايات الشفوية لسكان أيت عمار -على شحها – تتشابه ولا تجيب على كل الأسئلة الحارقة التي حضرناها استعدادا لهذا التحقيق خاصة وأن هذه القرية باتت مهجورة بعدما غادرها معظم سكانها إلى الديار الأوربية بطرق غير شرعية ،عبر قوارب الموت.
“محمد” ،سبعيني،استند على شجرة ، يكتال الريح،عبر بأسف شديد عما آلت إليه أوضاع هذه القرية منذ أن أغلق فيها منجم الحديد. وأبدى امتعاضه مما حدث زمن الاستعمار الفرنسي ، حيث كان العمال يستخرجون الحديد في ظروف صعبة وتحت شتم وتهديد ووعيد “المعمر”
وأرجع ” الحاج مصطفى” سبب إغلاق المنجم إلى العمال أنفسهم وراح يلصق بهم كل التهم ،فهم الذين أحرقوا التجهيزات ودمروا المعدات واعتدوا على “النصارا،أصحاب ” الغار” ولم يسلم منهم إلا من لاذ بالفرار ليطلب حماية المخزن.
وعقب عليه ” الجيلالي ” وهو ينظر إليه شزرا ، بسرده لحوادث مميتة تعرض لها عمال منجم الحديد زمن الاستعمار وهم ينقبون بأدوات بسيطة وفي ظروف قاسية. وعلى رغم من تفانيهم في عملهم يضيف الجيلالي ، أغلقت الشركة “الحفرة” دون سبب وجيه. وأضاف أن ” الرجالة ” هم من ثاروا ضد ظلم المستعمر وفضلوا العطالة والتشرد على الذل والهوان.
وسخر “الخيراني ” ممن يلتصقون بالحديث عن الماضي فالمهم عنده أن يفتح المنجم ليستخرج ما في باطنه من حديد وبعد صمت قصير، تنهد وقال: … ” موالين الوقت” يعلمون حق العلم أن” خيرات كثيرة” أو ماحاول يعبرعنه بأكبر احتياطي للحديد بالمغرب يقبع في هذا المنجم … وقد استبشرنا خيرا – يضيف – حين سمعنا أنه سيفرج عنه عام 2014بعد أن طالب برلماني ينتمي لبني خيران بفتحه في قبة البرلمان. واستدرك متشائما … لن يتغير واقع الحال، فقد حكم على هذه المنطقة بالفقر والتهميش والنسيان…
أما ” أحمد ” فحمل كامل المسؤولية “للجماعات المتعاقبة “التي لا يهمها أمرالمنجم ولا تقوم بدورها من أجل إعادة إستغلاله ولا تكثرت لقضايا التنمية…
ومضى يقارن بين المستعمر والجهات المسؤولة ،فالمستعمر على حد قوله بدأ استنزاف خيرات المنجم منذ سنة 1934،ولكنه في نفس الوقت شغل اكثر من 3000 عامل وبنى لهم سكنيات وربط المنطقة بالسكة الحديدية أما ” خوتنا ” فعجزوا عن إعادة استغلال المنجم لما فيه مصلحتهم قبل ساكنة هذه القرية.
وبنظرة منكسرة، انسحب مرددا” خيار الدي سكوتو، خيار الدي سكوتو ”
ومناصرة لمبدأ رد الاعتبار لهذه المنطقة المنسية ورفع الحضر عن منجم الحديد بايت عمار، بني خيران وبعد استماعنا إلى أبناء قرية أيت عمار المهجورة ، فإننا ،إذ نتوسم خيرا في السيد عامل إقليم خريبكة وتبينا أثره فيه منذ أن حل بالإقليم ، نناشده أن يحدث لجنة يوكل إليها مهمة إنجاز أبحاث ودراسات ثم إحالتها على وزارة الطاقة والمعادن قصد النظر في إمكانية إعادة استغلال منجم الحديد بأيت عمار.