زنقة36_غزة مجيد
في المغرب الجديد، لم تعد التنمية قراراً يُلقى من فوق الجبل، بل مساراً يُصنع على مائدة شراكة، حيث تتجاور فيها السلطة المنتخبة مع سلطة الدولة، ويجلس المجتمع المدني كشاهد ومسؤول في آن واحد.
هكذا بدا المشهد في خريبكة، يوم 7 نونبر 2025، حين قاد عامل الإقليم، هشام العلوي المدغري، لقاءً تشاورياً لإطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية المندمجة، انسجاماً مع الرسائل العميقة التي حملها خطاب العرش الأخير: لا تنمية بلا إنصات، ولا قرار بلا مشاركة، ولا مستقبل بلا عدالة مجالية
.
اللقاء لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي. كان امتحاناً هادئاً لذكاء المؤسسات، ومحطة لقياس قدرة الفاعلين المحليين على الخروج من «تقنية التسيير» إلى» فلسفة التنمية». فالأسئلة التي طُرحت لم تكن تقنية فقط، بل سياسية بمفهومها الواسع: كيف نُزاوج بين برامج الجماعات التي منحها القانون التنظيمي 113.14 شرعية القرار، وبين رؤية إقليمية تسعى لتجاوز الحدود الترابية الصغيرة نحو تصور تنموي متكامل؟ وكيف نمنع أن تتحول البرامج إلى جزر معزولة تُهدر الوقت والمال بدل أن تُبنى عليها جسور الثقة والتحول؟
في هذا السياق، بدا واضحاً أن عامل الإقليم اختار في هذا اللقاء لغة النتائج بدل لغة الانتساب؛ فالمهم ليس من ينجز، بل ماذا تحقق، وكيف ينعكس ذلك على حياة الناس في الدواوير والمدن الصغيرة وأحياء التهميش التي تنتظر نصيبها من الوطن.
لقد خرج الحضور بانطباع واحد: خريبكة تستعد لمرحلة جديدة لا تقوم فقط على تعبئة الموارد، بل على تعبئة العقول والضمائر. فالتنمية اليوم لم تعد ورش أوراق ومناقشات، بل ورش معركة وجودية ضد الفوارق، وضد رداءة التدبير، وضد تلك الأفكار القديمة التي كانت ترى في المواطن موضوعاً للسياسة، لا شريكاً فيها.
وإذا كان هذا اللقاء قد فتح نافذة أمل في جهة تعيش على ثروات كبرى وتنتظر أن ينعكس ذلك على واقعها اليومي، فإنه أيضاً دق ناقوساً هادئاً: لن ينجح المشروع دون انسجام وتنسيق، ولا قيمة لأي رؤية إذا لم تنزل إلى الأرض وتخاطب هموم الناس قبل أن تُزين تقارير المكاتب.
خلاصة الكلام: خريبكة اليوم تكتب صفحة جديدة، ليس فقط تحت إشراف عامل الإقليم، بل بمشاركة الجميع، وفق روح توجيهات ملكية واضحة: التنمية ليست شعاراً، بل مسؤولية مشتركة، ونتيجة تُقاس بكرامة المواطن قبل أي شيء آخر.
