بقلم: غزة مجيد
في خريبكة، حيث تتمايل أضواء الشريط الضوئي كأنها تراقص العتمة، نتعاطى مع مسرحية لم تُبصر النور إلا لتزيد الحكاية قساوة. ثلاث سنوات من عرض بات مكرراً: مسرحية شريط ضوئي رخيص، يعلّقونه على مدارات المدينة، بعيونٍ تُعمي أكثر مما تُضيء، وبمستوى فنٍّ لا يدل إلا على احتقان ذهني وإداري يتوارى خلف عروضٍ مبتذلة.
«لعكر فوق لخنونة» مثلاً، ذلك الحي الذي تهادى فيه مجلسنا «العارف» بشريط ضوئي لا تتجاوز قيمته 20 درهماً. هذا الشريط ليس سوى رداءٍ ناصع يلبسه الفشل، ليلفّ به دروب خريف خريبكة.. أضواؤه تلمع في العيون للحظة، لكنها لا تُضيء الطريق. هي ألعاب أضواء يُمارسها من يعتقدون أن بإمكانهم استبدال العمل بالصخب، والإنجاز بوميض تكتيكات، بين صمتٍ مُقنّع وصراخٍ بلا جدوى. الضحك المستمر على ذقون الناس، واحتمال أن تُصاب أعين السائقين بـ«ضربة ضوء» بينما هم يسيرون في طريقٍ يُعرَف باسم التأجيل والتسويف، ليس إلا واحداً من رموز هذا العبث المزمن. شريطٌ ضوئي، وموعد إصلاحٍ يتأخر، ورئيس جماعة يتحرك بخطى تئن تحت وطأة التماهل.
هنا، باجدوب شوفيني يقولها بلسان الصدق المرير: «فاطيمة شوفيني أنا طير».. والمجلس يقول «شوفني أنا مضوي!»؛ خطاب مشحون بالتهكم، يفضح زيف مشهد جماعة تجيد فقط التلميع وإحداث بلبلة أضواء تخدع الناظر لكنها لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
إنها حقاً كوميديا سوداء، حيث تجتمع السخرية والمرارة في مشهد واحد. لا شيء سوى لعبة أضواء رخيصة تُطلَق على رؤوس ساكنة محتاجة لإنارة العقل والعمل، لا أضواء «20 درهماً» التي تُصيب العين بالعمى والضجر.
خريبكة اليوم لا تحتاج إلى مسرحيات ضوء هزلية، بل إلى إرادة واضحة تخطو بخطى ثابتة نحو الحل، لا إلى فضائح «الشريط الضوئي» التي تُزيّن ورق الحائط دون أن تلمس وجع الناس.
أما المجلس ومكتبه، فلا يفعلون سوى إحياء مسرحية فاشلة، أصبحت تمريناً عاماً على خداع الجماهير التي باتت ترى ما وراء اللمعة المغشوشة، عيون لا تخدعها أضواء تستنزف الفعل وتؤجج الاستياء.
خريبكة تستحق أن تُهتم بأفعال لا بأضواء، بفكر لا ببهلوانيات ضوئية، وبقيادة لا تختبئ خلف ضباب زائف يتكلف ثمن شريط بلا قيمة. المسرحية مستمرة؟ حتى يفك الناس طلاسم هذا الشريط الذي لا يترك سوى أثر عمى وصدمة على واقع يئنّ في صمت.