بقلم: غزة مجيد
في خريبكة، السلطة المحلية لا تشبه تلك الصورة النمطية عن الإدارة التي تتفرج حتى تقع الأزمة. العكس تماماً: رجال الإدارة تحركوا في صمت، حين انتشرت دعوات مجهولة تزغرد في فضاء الإنترنت، وتعد الناس بوقفة لا يعرف أحد صاحبها ولا حتى وجهتها. باشا المدينة يلتقط الإشارات، يستدعي القياد وأطر الإدارة، ويجلسون في غرفة القرار، لا لينتظروا الطوفان، بل ليوقفوا الشر في مهده.
البلاغات الرسمية لم تكن مجرد ورق على رصيف الإدارة، بل كانت صفارات إنذار وتواصل مباشر مع الناس والجمعيات، حتى يعرف الجميع أن اللعبة هذه المرة ليست حرية تعبير، بل حماية النظام وسط زحمة مهرجان ووجوه غرباء. كل شيء كان محسوباً، حتى التوقيت، حتى الساحة، حتى عدد العناصر المكلفة بالمراقبة.
الإدارة هنا اتخذت القرار قبل أن يجتمع المشاغبون. أطلقت مبادرة منع الوقفات غير المرخصة، وتحركت على الأرض: عناصرها تراقب النقاط الحساسة، تحذر، توجه، وتسحب فتيل الاحتكاك الذي تغذيه صفحات مجهولة لا وجه لها ولا نَفَس.
في مشهد سياسي لا يخلو من رسالة: حين يتقاطع الذكاء الإداري مع الحضور الميداني، تُخلق معادلة أمان جديدة، لا مكان فيها للفوضى. حتى فرق الأمن انتشرت بهدوء، والقوات المساندة حاضرة تحبس أنفاس الشارع، وتؤكد أن الاستقرار هنا ليس صدفة بل إرادة ومهنة.
هذه الاستراتيجية لم تمنع فقط الإخلال بالنظام، بل أعادت للمواطنين ثقتهم أن خريبكة مدينة قادرة على مقاومة الفوضى الرقمية بالمقاربة الذكية، وأن المسؤول المحلي حين يتحرك في الوقت المناسب، يكون أكبر من مجرد إداري؛ يكون صانع سلم اجتماعي.
هكذا ترسخت صورة جديدة للسلطة المحلية في أذهان الناس: ليست سلطة تُمسَك من طرف الأحداث، بل سلطة تسابقها وتضع نقطة النهاية قبل أن تبدأ الفوضى.
مدينة خريبكة، نهاية الأسبوع، نموذج آخر للإدارة الذكية حين تصحو قبل أن ينام الشارع في حضن الدعوات المجهولة. السلطة المحلية هنا لم تنتظر أن يتحول الفضاء الافتراضي إلى واقع، بل أغلقت الطريق أمام الاحتجاج من أول الإشارة. باشا المدينة يجمع القياد وأطر الإدارة في اجتماع أزمة، فوق الطاولة: بلاغات حازمة، اتصالات مباشرة مع الجمعيات، تحذير للمواطنين، وليس مجرد انتظار لخطوات التجمهر.
فجأة تتحول قرارات السلطة local إلى شرطي حقيقي في الميدان: عناصرها متوزعة في النقاط الحساسة، ترصد وتوجه وتمنع التصعيد، كل ذلك تحت سقف إجراءات استباقية، لا صوت فيها للمجهول سوى وقع خطواته التي ارتدت إلى الخلف. الأمن في الساحة يتحرك بهدوء، القوات المساعدة تسد المحاور، وتُنفذ تعليمات الإدارة بدقة، ليظل المشهد حضريًا بلا تشنج ولا فراغ أمني.
النتيجة واضحة: الاستراتيجية المشتركة تمنع الفوضى وتعيد للمدينة هدوءها، المواطن يكتشف من جديد أن خريبكة تستطيع أن تصنع أمنها الاجتماعي حين تتكلم السلطة المحلية فعليًا، وليس نظريًا؛ حين تضع القرار قبل الحدث، لا بعده. هكذا تكتب السلطة المحلية سطرًا آخر في سجل المدن التي لا تخضع للفوضى الرقمية، بل تسبقها بخطوة وقرار حاسم.
هنا خريبكة تعطي درسًا في إدارة الخطر بالأدوات البسيطة: يقظة، اجتماع في الوقت المناسب، قرار سريع، وتواصل يحبس الفوضى في الشبكة قبل أن تخرج للشارع. هكذا يُخلق الأمن الاجتماعي في زمن المعلومة السريعة والدعوات العابرة.