بقلم: غزة مجيد
في خريبكة، المدينة التي تُشبه المغرب في صمته وضجيجه، حيث تمر القصص مرور الغيوم، لكن بعضها يُخلف عواصف، أصدرت المحكمة الابتدائية حكماً جريئاً أعاد الاعتبار للمهاجر المغربي مصطفى، الملقب بـ بوغابة، بعدما وجد نفسه ضحية زواج مُلغّم بالخداع، ومُفخخ بالنوايا السيئة.
القصة ليست فقط عن رجل تزوج امرأة، واكتشف لاحقاً أنها ما تزال على ذمة رجل آخر في الجزائر، بل هي عن ثقة المواطن في وثائق الدولة، وفي دفاتر الحالة المدنية، وفي عقد الزواج حين يُخَتَم بخاتم العدول. القصة عن مغربي عاد من الغربة ليُؤسس أسرة، فإذا به يجد نفسه داخل متاهة قانونية وأخلاقية.
في لحظة مفصلية من هذا الملف، فعلت المحكمة ما ينبغي أن يُفعل: قالت كلمتها دون مجاملة. نظرت في الوثائق الجزائرية التي قدمها بوغابة، وثائق رسمية تؤكد أن السيدة ما تزال متزوجة من رجل جزائري في إطار عقد عرفي موثق بحكم قضائي. درست المحكمة الوقائع، وخرجت بحكم واضح: بطلان الزواج من أساسه، وتحميل الطرفين الصائر مناصفة، مع تسجيل الحكم في هامش رسوم الولادة.
في بلد يئن تحت وطأة أعطاب إدارية وثقافية، استطاع القضاء أن يُعيد الثقة. أن يقول إن العدالة ليست خرساء، وإن القانون لا يُباع ولا يُشترى حتى حين يتعلق الأمر بـ الحلال و العاطفة والحياة المشتركة.
القضية أكبر من بوغابة وزوجته السابقة. إنها تمس جوهر النظام التوثيقي في المغرب. فكيف يُعقل أن تُعقد زيجات في المغرب دون التحقق الجاد من الوضعية الزوجية للطرفين؟ كيف تمرر بعض العقود في صمت، بينما هي قنابل موقوتة؟ ومن المسؤول عندما يتحول الزواج إلى مسرحية، والمواطنة إلى مقامرة؟
الجواب، ولو جزئياً، جاء من المحكمة. لكن الجواب السياسي والإداري ما زال معلقاً. إنصاف القضاء لمواطن لا يُعفي الدولة من مسؤولية سدّ الثغرات التي تتسلل منها المآسي، ولا يُسكت الأسئلة التي تطرحها مثل هذه القضايا.
هذا ما حدث في خريبكة: قاضٍ لم يخف من الحقيقة، ومهاجر لم يخجل من الحكي، وعدالة اختارت أن تكون في صف القانون لا في صف المجاملة.
وهو ما يجعلنا نقول اليوم بثقة:
العدالة في المغرب، قادرة على أن تُرمم ما أفسده الاحتيال.