زنقة36_غزة مجبد
مرة أخرى، يقرر رجل في منتصف العمر أن يعلو خزان الماء في أولاد يوسف، بني ملال، لا ليصلح عطلاً ولا لينقذ حياة، بل ليشهر يأسه في وجه الجهات التي قررت أن تغلق أبوابها وتترك السلم مفتوحاً.
الأسئلة هنا ليست ترفاً صحفياً ولا مجرد زوبعة في فنجان. إنها أسئلة تفضح ثقافة الإهمال التي صار المواطن يدفع ثمنها من روحه وكرامته:
كيف يُترك سلم حديدي طويل، مثبت بإتقان من الأرض حتى أعلى الخزان، مشرعاً أمام كل من يقرر في لحظة يأس أن يتسلقه؟
لماذا لم يفكر أحد في أبسط إجراء وقائي: إزالة نصف السلم، أو إقفال مدخله بقفل، أو حتى وضع سياج حديدي يردع الفضوليين؟
إذا كان هذا الرجل قد تسلق الخزان أكثر من مرة ونام فوقه تحت عيون الجميع، فهل كانت الجهات المسؤولة بحاجة إلى بلاغ رسمي من السماء لتدرك خطورة الموقف؟
من الذي قرر ألا يُوضع حارس دائم على خزان مائي في جماعة تعرف هشاشة اجتماعية ونفسية، وتجارب مريرة مع الاحتجاج والانسداد؟
ماذا لو انزلق الرجل وسقط جثة هامدة؟ هل سنقرأ بياناً يفيض أسفاً ويجتر التعازي، أم سنسمع المبررات الجاهزة عن “حادث عرضي”؟
متى سيتذكر المسؤولون أن حياة الناس ليست هامشاً يمكن تأجيله، وأن خزان الماء ليس منصة انتحار مجانية لمن ضاقت بهم الأرض؟
هذا السلم الحديدي ليس مجرد قطعة حديد صدئة. إنه مرآة تنعكس عليها صورة إدارة لا تحرس منشآتها ولا تحمي مواطنيها. خزان لا حراسة فيه، ولا سياج حوله، ولا إحساس لدى المسؤولين بأن ما يحدث إشعار صارخ بخطر داهم.
الأغرب أن كل هذا يحدث في صمت ثقيل، وكأن أرواح الناس لا تعني شيئاً، وكأن كل شيء قابل للتأجيل… حتى التدخل لحماية الحياة نفسها.