الدكتور عيدودي يكتب : مستجدات مشروع المسطرة الجنائية(الجزء الأول)

1 سبتمبر 2024آخر تحديث :
الدكتور عيدودي يكتب : مستجدات مشروع المسطرة الجنائية(الجزء الأول)

بقلم الدكتور:عيدودي
عقدين من الزمن مرت على إصدار قانون المسطرة الجنائية الساري المفعول، وهي مدة زمنية كانت كافية لاختبار مدى نجاعته في مواكبة الفعل الحقوقي بالمغرب، ذلك أن الممارسة العملية طيلة هذه الفترة أبانت عن نواقص عديدة وثغرات بنيوية ضربت بعمق مفهوم الحريات ببلادنا ، سواء ما تعلق بضمانات المحاكمة العادلة وقرينة البراءة أو ما ارتبط بمبدأ البث داخل أجل معقول وعقلنة أساليب الحراسة النظرية( اعتقال احتياطي وكذا ابتكار أساليب جديدة للبحث والتحري عن الجرائم ذات الطابع القاري… )

هذا وأمام تنامي فكرة حقوق الإنسان على الصعيد الكوني، وجد المغرب نفسه أمام أسئلة وطنية و تساؤلات دولية في تعاطيه مع المسألة الحقوقية وهو ما عجل بمراجعة قانون المسطرة الجنائية.

كما أن الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم كان لها الدور الأساس في هذه مراجعة وذلك قصد عصرنة أساليب البحث والتحري عن الجرائم ذات الطابع المعقد. ويأتي المشروع كذلك تفعيلا لتوصيات الميثاق الوطني للإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة بغية ملاءمته مع المواثيق الدولية ذات البعد الحقوقي والتي صادق عليها المغرب في هذا المضمار.

*أهم تعديلات مسطرة الجنائية*

وبنظرة شمولية لمشروع القانون رقم 03.23 المغير والمتمم للقانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية نلحظ أنه عدل ما يزيد عن 420 مادة، وهي تعديلات يمكن إجمالها فيما يلي:
– تعزيز قرينة البراءة( تقييد المتابعة في جرائم المال العام مثلا).
– مراجعة نظامي الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
– تعزيز حقوق الدفاع خصوصا في مرحلتي البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي.
– توسيع مجال الصلح الجنائي قصد تخفيف العبء على القضاء.
– التنظيم التشريعي لتقنيتي الشكاية المباشرة والتجنيح القضائي.
– إعطاء المحكمة صلاحية تغيير التكييف في الجنح كما هو الحال في الجنايات.
– جعل محاكمة القضاة والموظفين السامين(وزراء/سفراء/ولات/عمال) شبيهة نوعا ما بالمحاكمة العادية.
– إعتماد القاضي المقرر إسوة بالمادة المدنية. – أساليب بحث وتحري عصريين.
– تعديلات طالت السياسة الجنائية.
– قواعد قانونية حمائية أكثر للأحداث الجانحين.
وغيرها من التعديلات التي همت تنفيذ العقوبات ورد الاعتبار والسجل العدلي وكذا قواعد الاختصاص للجرائم المرتكبة خارج المغرب. عموما ومن أجل الوقوف على هذه التعديلات سنحاول السير على هَدي التقسيم التشريعي، حيث طرق المشرع للمسطرة الجنائية في ثمانية كتب، وحيث إن الكتاب الثامن مخصوص للأحكام المختلفة والختامية، سَنُقصِر الدراسة على السبعة الأولى وفق الآتي:

*الكتاب التمهيدي*

في إطار هذا الكتاب تم تغيير عنوان الباب الأول من “قرينة البراءة” إلى “ضمانات المحاكمة العادلة”، وعياً من المشرع ما للعنونة الجديدة من شمولية. الجديد في هذا الكتاب هو مقتضيات المادة 3 التي قيدت طرائق تحريك الدعوى العمومية في جرائم المال العام، وذلك قصد ترشيد العمل القضائي من جهة وكذا احترام قرينة البراءة من جهة أخرى، وهكذا أصبحت المتابعة بطلب الوكيل العام لمحكمة النقض لوحده على أن يكون الطلب مشفوع بتقرير للمجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة وغيرهما من مؤسسات الرقابة المالية… من وجهة أخرى المادة 7 من المشروع قيدت من صلاحيات جمعيات المنفعة العامة لانتصابها كطرف مدني إذ يجب أن تحصل على إذن التقاضي من وزارة العدل…

*الكتاب الأول: التحري عن الجرائم ومعانيها.*

من ضمن مستجدات هذا الكتاب المادة 15 التي سمحت للنيابة العامة بكل محكمة أن تتواصل مع الرأي العام، ولهذه الغاية فجميع محاكم المملكة تكلف أحد أعضاء النيابة العامة بمهمة التواصل. كما تم توسيع دائرة ضباط الشرطة القضائية، حيث بموجب المادة 19 تم إضفاء صفة ضابط شرطة قضائية على الوكيل العام للملك بمحكمة النقص والمحامين العامين التابعين له، في حين متعت المادة 20 أيضا خلفاء القواد بهذه الصفة وعيا من المشرع ما لهؤلاء من دور مهم في الإدارة الترابية للمملكة… وانسجاما مع التقنية، عصرن المشروع من مفهوم المحضر، ذلك أن المادة 24 قالت أن المحضر هو كل وثيقة تحرر على دعامة ورقية أو *إلكترونية* من لدن ضابط الشرطة القضائية، وبهذا يكون المشرع يؤسس لمرحلة جديدة ستسم نظام عدالتنا الجنائية، إنها مرحلة البحث الجنائي الإلكتروني. وتصديا للوشايات الكيدية المجهولة المصدر وما لها من هدر للزمن القضائي، ألزم المشروع في المادتين 40 و 49 النيابة العامة بضرورة التأكد من الوشاية مجهولة المصدر *قبل* فتح البحث بشأنها. ومزيدا من الرقمنة أتاح المشروع تبليغ المحامي والضحية وكذا المتابع بمآل الشكاية عبر الهاتف أو عن طريق البريد الإلكتروني. وفي إطار الملاءمة التشريعة نصت المادة 52 صراحة على تعيين القضاة المكلفين بالتحقيق من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية في توافق تام مع قانون التنظيم القضائي الجديد.
كما عرض المشروع لآليات البحث والتحري الرقميين عن الجرائم، فمثلا المادة 57 أتاحت لضباط الشرطة القضائية إمكانية رفع الآثار الرقمية وحجز التسجيلات السمعية البصرية من مكان الجريمة، وهو ما عززته المادة 59 التي أقرت آلية التفتيش الإلكتروني وحجز المعطيات والبرامج المعلوماتية وكذا الولوج للأنظمة المعلوماتية..

*الحراسة النظرية*

وعلى مستوى تدبير الحراسة النظرية، أضاف المشروع مواد جديدة من 66-1 إلى 66-5، حيث تم تقليص مدة الحراسة النظرية من 48 ساعة إلى 24، كما حصرت أسباب الحراسة النظرية بغية ترشيد هذا التدبير من جهة وتقييدا لسلطة الضابطة القضائية التي قد يطالها التعسف من جهة أخرى. هذا وتم الاهتمام ضمن هذه المقتضيات الجديدة بظروف المشتبه بهم ، وذلك بالتنصيص الدقيق على أسلوب معاملتهم من حيث إشعارهم بالأفعال المنسوبة إليهم وإخبار ذويهم وكذا طريقة استنطاقهم/أوقات راحتهم والتغدية الممنوحة لهم… إضافة إلى تحديد معالم وحدود الحق في التزام الصمت(الذي طرح اشكالات عملية) الذي أصبح وفق المشروع يطال الأفعال موضوع التوقيف(الأفعال المرتكبة) دون التحقق من الهوية.
كما تم إقرار إمكانية الاستعانة بمحامي وذلك عند بدء الحراسة النظرية أي من الساعة الأولى عكس ماهو عليه الحال في القانون الساري المفعول. هذا وقد أصبح قرار الوكيل العام القاضي بالإيداع في السجن قابل للطعن القضائي…
ودائما في إطار الحراسة النظرية تم إقرار إمكانية إخضاع المعني بالأمر للفحص الطبي اذا ظهرت عليه آثار المرض أو علامات تستدعي ذلك شرط إشعار النيابة العامة.

*تعزيز دور الدفاع *

وطبقا للمادة 73 تم تعزيز دور الدفاع عند تقديم المشتبه به أمام النيابة العامة إذ للمحامي أثناء الاستنطاق الحق في طرح أسئلة وإبداء ملاحظات. ووفق المادة 84 وعلى مستوى التحقيق الإعدادي تم منع قاضي التحقيق من توجيه التهمة لأي كان إلا بعد رفع الملف إلى النيابة العامة وهو ما يكرس قرينة البراءة من جهة ويعزز مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق من جهة أخرى.
كما عززت المادة 139 خلال مرحلة التحقيق حقوق الدفاع، إذ يجب استدعاء المحامي 10 أيام قبل انطلاق الاستنطاق بدل يومان في القانون الحالي، وكذا تمكينه من ملف القضية ورقيا أو على دعامة إلكترونية قبل الاستنطاق أو الإستماع ، وفي مقابل ذلك يلزم الدفاع باحترام سرية البحث وعدم نشر أي محتوى تحت طائلة الجزاء المقرر في الفصل 449 من القانون الجنائي.

*الاعتقال الاحتياطي *

إضافة لهذا أتى المشروع بمقتضيات أكثر ترشيداً للاعتقال الاحتياطي إذ أن مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنح والتي هي شهر واحد أصبحت قابلة للتمديد مرة واحدة بدل مرتين، وفي الجنايات شهرين أصبحت قابلة للتمديد مرتين بدل خمس مرات باستثناء جرائم أمن الدولة والإرهاب، وكذلك هو الحال بالنسبة لتدبير المراقبة القضائية…
في هذا الباب أيضا تم تنظيم الشكاية المباشرة بشكل دقيق وذلك في المادتين 92 و 95 إذ تم تحديد شكلياتها والجهة التي تتلقاها(رؤساء المحاكم) وكذا الآثار المترتبة عنها..(يتبع في ج 2)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق