المسؤول بين الواجب والتصفيق: حين يتحول الحضور إلى إنجاز

14 أبريل 2025
{"uid":"cc4beb3d-23b1-4cdc-83b9-de4917abf3e7","from":"picsart"}

زنقة 36_غزة مجيد

في زمن اختلطت فيه المعايير، أصبح من الطبيعي أن نُصفّق لكل من قام بواجبه، ونمدح من أدى عملاً روتينيًا كأنه أتى بما لم تأتِ به الأوائل. نُصفّق للطبيب لأنه فحص مريضًا في وقت العمل، ونُبارك للمسؤول لأنه زار مؤسسة عمومية تقع تحت وصايته، ونُمجّد الأستاذ لأنه حضر حصته. وكأن العمل الذي يُنجز في توقيته القانوني، وبراتبه الشهري، بات يستحق التهليل.

المفارقة أن بعض هؤلاء، ممن يملكون قليلًا من الضمير، يشعرون بالحرج حين يسمعون عبارات من قبيل: برافو عليك، الله يعطيك الصحة، عاش المسؤول النزيه، لأنهم يعلمون – في أعماقهم – أنهم فقط قاموا بما هو مكتوب في دفاتر المهام، لا أكثر.

نعم، نصفّق إن خرج الطبيب في منتصف الليل لينقذ روحًا بلا مقابل، أو إن عاد الموظف في عطلة نهاية الأسبوع ليُنجز عملاً استعجاليًا، أو إن بادر المسؤول بحل أزمة قبل أن تُصبح كارثة. هناك، فقط هناك، يصبح للتصفيق معنى، وللمديح طعم. أما أن يتحول الروتين إلى بطولة، والمألوف إلى استثناء، فذلك تعبير واضح عن أزمة عميقة في ثقافة العمل وقيم التقدير.

الواقع أن الإفراط في التطبيل قتل الإبداع، وسوّى بين المجتهد والمتكاسل. كل من مرّ أمام الكاميرا صار بطلاً، وكل من ارتدى بذلة رسمية صار ملهَمًا. والمواطن، في دوامة من القهر واليأس، بات يتعلق بأي لفتة صغيرة، فيمنحها أكبر من حجمها، ربما لأنه لم يعد يثق في انتظار الكبير.

في مجتمع سويّ، لا يُمدح الموظف لأنه حضر، بل يُحاسب إن غاب. لا يُمجد الطبيب لأنه فحص مريضًا، بل يُسأل إن قصّر. لا يُبجل المسؤول لأنه قام بجولة ميدانية، بل يُنتظر منه تقرير وقرار ومتابعة. في مجتمع سويّ، يُعتبر الواجب واجبًا، لا وسامًا.

أن تُصفّق للجميع، هو أن تظلم من يستحق فعلًا. أن تُهلل لكل شيء، هو أن تُفرغ المعاني من محتواها. الواجب لا يُكافأ عليه بالتصفيق، بل يُؤدى بصمت، ويُراقَب باحترام. وحده العمل المتفاني، النابع من الضمير لا من الراتب، من الحس لا من التعليمات، يستحق أن نرفعه إلى مقام التقدير.

فلنكفّ عن جعل الحضور حدثًا، و”الواجب بطولة، و”المسؤول نجمًا.
دعونا نحتفظ بالتصفيق للمسرح، ونترك في الإدارات مساحة للعمل، وللمجتمع فسحةً للمساءلة.

لأن من يتقاضى أجرًا عن واجب، لا يحتاج مديحًا… بل يحتاج أن يكون في مستوى الثقة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق