بقلم: د.عبد النبي عيدودي
باحث في الشؤون الدينية والسياسية
مدير المركز المغربي للقيم والحداثة
ربع قرن مرت على اعتلاء ملك البلاد محمد السادس عرش أسلافه الميامين .. ربع قرن بدون توقف عن العمل و البناء للوطن و مؤسساته .. ربع قرن و هو يعمل رغم الداء و الأعداء بكل شغف و نبوغ ، وحب وفير للشعب و للوطن و للبشرية جمعاء .. ربع قرن من الحكم الرشيد ، الحكيم المتبصر للمملكة المغربية الشريفة في محيط دولي مرتبك، متحرك و سريع ، محمل بالأزمات و الأحداث الدولية الكبرى.. ربع قرن و هو يقود المملكة بسلام وأمان وسط وضع إقليمي متوتر و سياق دولي مطبوع بالأزمات تلوى الأزمات .. لكن رغم كل هذه الصعاب الاقليمي و الدولي استطاع فتح أزيد من (20) ورش ملكي وطني قاد بهم الأمة المغربية إلى مصاف الدول الصاعدة نحو الدول الديمقراطية و دات سيادة اقتصادية .
و في هذه المقالة سأتناول العديد من الأوراش الملكية حسب الترتيب التالي:الاول سيخصص لاعادة هيكلة حقل ديني ويتبع بمشروع الحكم الذاتي و التفوق الدبلوماسي بفتح معبر الكركارات، مع اعادة تقوية المؤسسة العسكرية جويا وبحريا وقاريا.. نتج عنه بزوغ قدرة وطنية كبيرة في مواجهة الكوارث الطبيعية (كوفيد-19 – زلزال الحوز).. ناهيك عن النجاح في طي صفحة الماضي و تحقيق المصالحة و جبر ضرر.. و العمل المتواصل لتمكين المرأة من حقوقها الكونية ، و كذا دسترة ملكية برلمانية اجتماعية و مأسسة دولة الحق والقانون بقوانين ساهمت في تثبيت مفاهيم الحقوق و الحريات نتج عنه بزوغ مفهوم جديد للسلطة، و نبوغ اقتصاد مغربي و صموده في وجه التقلبات الدولية .. مما ساعد على تأسيس الدولة الاجتماعية ، مع بداية نشأة الدولة الصناعية و تفوقها في قطاع صناعة السيارات و الطائرات ، مصحوبة بتأهيل المقاولات الوطنية ودمجها في الاستثمارات الدولية .
كما سهر جلالته على تأهيل القطاع الرياضي بتأسيس مراكز و معاهد رياضية ساهمت في تجويد النتايج الرياضية ، و تأهيل الموانىء الوطنية ، مع نشأة سوق مالي قوي ببرصة البيضاء ، و خلق مشاريع ملكية ببصمات عالمية ( كبرج محمد سادس- مسرح محمد سادس – ميناء الداخلة الأطلسي على مساحة 1800 هكتار ..) .. و حضور أفريقي ملكي وازن ببعد سياسي و ديني و تاريخي ، توج بانخراط دولي في مشروع ملكي واعد يهدف لخلق منطقة استثمار بالساحل الأفريقي الأطلسي.
1- إعادة هيكلة الشأن الديني في بداية سنة 2000 و هو من أعظم الاوراش الملكية الكبرى ، بل من أجلها شأن و أعلاها منزلة ، فصاحب الجلالة والمهابة محمد السادس نصره الله بصفته أميرا للمومنين اهتم بليغ الاهتمام بالشأن الديني المغربي الاسلامي وأعاد هيكلته بشكل يتماهى مع التحولات والمستجدات الإقليمية، و يوحد الخطاب الديني المغربي داخل وخارج المملكة ، وتتجلى هذه الهيكلة أيضا في احداث أزيد من 20 آلية من آليات تأهيل الشأن الديني منها على سبيل الحصر ، إحداث مديرية المساجد وأخرى للتعليم العتيق بوزارة الأوقاف، تحيين المجلس العلمي الأعلى و توسيع حضوره وطنية واقليميا و دوليا .. وإحداث هيئة علمية مكلفة بالإفتاء، إطلاق إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، إحداث مجلس علمي أوربي.. إحداث معهد محمد السادس للعلماء الأفارقة .. و مركز محمد السادس لتكوين الائمة المرشدين و المرشدات ، الذي اصبح قبلة للقيميين الدينين من مختلف البلدان .. حتى أضحى النموذج الديني المغربي مطلب جميع الدول الأفريقية و الاوربية في فهم وسطية الإسلام و اعتداله .. بل أثبت نجاحه في محيطه الدولي أما فشل النموذج الوهابي الجهادي ، و الشيعي الارهابي الصفوي ، و كذا تراجع تيار الإخوان المسلمين بعد فشل تجربتهم في الحكم بعد رياح الربيع العربي.
2- إطلاق مشروع الحكم الذاتي في 2007 شكل تفوق دبلوماسي كبير و اعطى نفس جديد للامة المغربية في الذود عن وحدتها الترابية : فتوالت الاعترافات و الحمد لله ،و توالت الاقرارات بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي، أهمها و أعظمها ،اعترافين بارزين في الدبلوماسية الدولية و المنتظم الأممي ، وهما اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية و اعتراف إسرائيل ، حيث وصلت نسبة الاعترافات بمغربية الصحراء 84% داخل منظمة الأمم المتحدة ، ما يجعل المغرب يتفوق دبلوماسيا في هذا المضمار، هذا وقد أيدت دول الاتحاد الاوربي مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل لفض النزاع، من ذلك البرتغال، اسبانيا، فرنسا، اللوكسمبورغ، هولندا، ألمانيا، قربص، رومانيا المجر صربيا والنمسا. وبالتالي فالمغرب رسخ التَّمَيُّز الدبلوماسي بملف الصحراء ليس فقط على مستوى افريقيا بل امتد إلى دول الاتحاد الأوربي مع ما يترتب على ذلك من مكاسب ساسية و دبلوماسية و اقتصادية و عسكرية.
3- فتح معبر الكركرات كان ضربة معلم : بل كان نهاية المشروع التخريبي الارهابي الذي يحميه أعداء الوطن ، و خصوم وحدتنا الترابية ، فتحرير معبر الكركرات و ضم المنطقة العازلة يعد حدثا تاريخيا بارزا بعد تحرير وفتح جديد لأرض مغربية ، و هو حدث يتساوى و حدث المسيرة الخضراء المظفرة.. ففي 13 نونبر 2020 جرى فتح معبر الكركرات وتطهيره من عصابات ومليشيات البوليساريو، وبالتالي أصبح المعبر تحت السيادة المغربية بنسبة 100% مع ما يترتب عن ذلك من انتصار دبلوماسي للمغرب من جهة، ومن جهة أخرى اعتبار المغرب بوابة تجارية للعمق الإفريقي، و أصبح معبر الكركرات هو قلب الشرايين الذي يربط المغرب بعمقه الافريقي
4- تقوية المؤسسة العسكرية: و من الاوراش الملكية الكبرى نجد إعادة تقوية المؤسسة العسكرية جويا وبحريا وقاريا: فنظرا للنجاح المبهر الذي حققته المؤسسة العسكرية في عهد الملك محمد السادس القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، انخرط المغرب( في إطار تقوية مؤسسته العسكرية) في اتفاقيات تعاون مع دول إفريقية عديدة من أجل مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه افريقا، كما انخرط المغرب أيضا على المستوى العسكري في برامج تعاون مع دول الخليج خاصة الامارات وقطر. هذا ويعتبر المغرب نموذج على الصعيد العسكري نظرا للمكاسب التي حققها في هذا المضمار، من ذلك مثلا نجاح الجيش المغربي في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه حدودنا الترابية من طرف عصابة البوليساريو المدعمة من الجزائر. كما أن نجاح المؤسسة العسكرية في مواجهة التحديات الارهابية وإجهاضها لعدة مشاريع متطرفة جعلت المغرب نموذج أمني يحتدى به، زد على ذلك فالمغرب له الفضل في تكون عدة نخب عسكرية إفريقية بالأكاديميات العسكرية المغربية.
5- قدرة على تدبير الأزمات كوفيد-19 نموذج: كما تمكن الأمة المغربية في عهد الملك الهمام محمد السادس نصره الله من امتلاك قدرة وطنية كبيرة في مواجهة الكوارث (كوفيد 19، زلزال الحوز). بعد جائحة كوفيد 19 التي ضربت العالم بأسرة، جاء زلزال الحوز الذي اختص بالمغرب لوحده، هي كوارث طبيعية توالت على المغرب تباعا. أبان المغرب بقيادة ملكنا الهمام على علو كعبه في مواجهة هذه الأزمات العاصفة، إذ تم التعامل مع الوضع بمنتهى الوطنية والجدية، توالت جلسات العمل الملكية، وجاءت البرامج الحكومية، وأحدثت الصناديق المالية، وصرفت مبالغ مالية مهمة لضحايا هذه الكوارث، كلها إجراءات ملكية جعلت المغرب يحافظ على خطه الاقتصادي والاجتماعي بسلام.
6- الإنصاف و المصالحة طي صفحة الماضي : بفضل نظرة جلالته الثاقبة تمكن المغرب من طي صفحة الماضي والمصالحة وجبر الضرر. و دشن جلالة الملك إثر توليه عرش أسلافه المنعمين مسارا جديدا للحقوق والحريات، حيث تمت مراجعة انتهاكات الماضي وذلك بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004، من أجل رد الاعتبار لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أواخر القرن الفارط. وهكذا اختصت الهيئة المذكورة بجرد من كانوا ضحايا سنوات الجمر والرصاص وتعويضهم جبرا للضرر، ما أدى في نهاية المطاف إلى المصالحة معهم ومع فكرة حقوق الإنسان بشكل عام.
7- تمكين المرأة : ورش كبير فتحه جلالته في 2002 فجعله ملك الإنصاف و المساواة ، إنه ورش تمكين المرأة من حقوقها الكونية: فمع بزوغ مطلع القرن الواحد والعشرين طفرة نوعية على مستوى حقوق المرأة وحرياتها، حيث تم تمكينها اجتماعيا اقتصاديا وسياسيا بشكل ملحوظ. على المستوى الاجتماعي فمع مدونة الأسرة ودستور 2011 وما واكبهما من اجراءات تم تكريس مبدأ المناصفة بينها وبين الرجل في جميع الحقوق؛ واقتصاديا أصبحت المرأة المغربية لها كامل الحق في ولوج سوق الشغل بل وتقلد مناصب المسؤولية، هذا ناهيك عن إلغاء اذن الزوج لزوجته بممارسة التجارة؛ وسياسيا لا يخفى على الجميع أن المشرع المغربي خص المرأة بتقنية الكوطة في الانتخابات الجماعية والتشريعية، وهي خطوة ملحوظة تدمج المرأة بقوة في العمل السياسي وفي عملية صنع القرار.
8– دسترة ملكية برلمانية: كما تفضل و سمح جلالته أعز الله أمره بدسترة ملكية برلمانية اجتماعية ، فدستور فاتح يوليوز 2011 أقر بالملكية البرلمانية وكرس للملكية الإجتماعية، و مما لا ريب فيه أن الملكية البرلمانية كنظام سياسي بالمغرب تجعل الأخير أكثر ديمقراطية، وذلك بتعزيزها (أي الملكية البرلمانية) لمبدأ فصل السلط واستقلاليتها، فالبرلمان في هذا السياق له سلطات واسعة ومستقلة، ناهيك عن اختصاصه الحصري ذو الطابع الرقابي.
أما الملكية الإجتماعية كمكتسب حافظ عليه دستور 2011 فهي سر متانة العلاقة بين الشعب والعرش العلوي المجيد، ذلك أن الملك بصفته رئيسا للدولة هو صاحب الولاية العامة في ارساء معالم البرامج الإجتماعية للشعب المغربي(الحماية الإجتماعية أنموذجا).
9- دولة الحق والقانون: و من الاوراش الكبرى التي سهر جلالته على فتحها وتنزلها على أرض الواقع نجد ورش مأسسة دولة الحق والقانون وتثبيت مفاهيم الحقوق والحريات. دائما في اطار دستور 2011 (والذي يعتبر منعطفا تاريخيا، مؤسساتيا وحقوقيا) أضحى المغرب بلد المؤسسات بامتياز ويتجلى ذلك على سبيل المثال: – استقلال السلطة القضائية عن التنفيذية – تسريع المساطر والإجراءات الادارية وذلك بتبني ورش الرقمنة. – إدماج المرأة في مناصب المسؤولية. – دسترة الحقوق والحريات الأساسية والتنصيص عليها بشكل واضح.
10- تأسيس مفهوم جديد للسلطة: طي صفحة المفهوم الكلاسيكية للسلطة من طرف جلالته توج ببزوغ مفهوم جديد للسلطة: فدائما كان مفهوم السلطة يرتبط بالشطط والتجاوز نتيجة لعدم التحديد الدقيق لصلاحيات المسؤول الاداري/الترابي وكذا تعدد الفاعلين وتنوعهم، ومن هذا المنطق وبغية تجويد الفعل الاداري، أحدث جلالة الملك مفهوما جديدا للسلطة قائم على الحكامة الجيدة والتدبير الأجود للمشروعات العامة. المفهوم الجديد للسلطة، قَرَنَ المسؤولية بالمحاسبة، فتولي مهام الأمر بالصرف يترتب عليها مسؤولية إدارية مدنية جنائية، وتتجلى المحاسبة مثلا في اعتماد التصريح بالممتلكات عند بداية المهام وأثناءها وعند نهايتها، الافتحاص والتدقيق المحاسباتي الدوري والمباغث ، إضافة إلى التحديد الدقيق والمفصل للمهام والمسؤوليات، ما يجعل مؤسسات الرقابة تضبط عملية المساءلة .
تناولت في الحزء الأول عشر أوراش كبرى .. يمكن للقاريء الكريم العودة إليها .. و سنواصل في هذا الجزء الثاني من هذه المقالة تناول عشر أوراش أخرى، أولها :
11- نبوغ الإقتصاد المغربي وصموده في وجه التقلبات الدولية: عرف الإقتصاد المغربي في الآونة الأخيرة ضغوطا كثيرة إثر توالي الازمات الدولية والوطنية، بدء بالحرب الروسية الأوكرانية وما واكبها من ارتفاع لأسعار المواد الأولية، مرورا بجائحة كوفيد 19 التي عطلت الدورة الإقتصادية بالمرة، وصولا إلى زلزال الحوز.
فالمتتبع لهذه الأحداث يستشف بالواضح أن المغرب وبتعليمات ملكية سامية استطاع أن يتعامل مع هذه الأزمات المباغثة بذكاء وجدية، حيث تم اتخاذ اجراءات وتدابير تروم أساسا إلى خفض نسبة التضخم وكذا الحفاظ على استقرار القدرة الشرائية للمواطنين، من ذلك مثلا تخصيص اعتماد مالي بقيمة 60 مليار درهم لدعم المواد الأساسية، صرف مبالغ مالية أثناء جائحة كوفيد 19، برامج مالية داعمة للمقاولات المتعثرة، تشجيع الصناعات الوطنية، تعميم الحماية الإجتماعية، زد على ذلك الدعم المقدم للأسر ضحايا زلزال الحوز والمخصص لإعادة الإعمار…
وهكذا استطاع المغرب أن يجعل من الأزمات المذكورة نبراسا لإرساء معالم الدولة الإجتماعية.
12- تأسيس الدولة الاجتماعية: انسجاما مع دسترة الملكية الإجتماعية كمحدد من محددات النظام المغربي، أرسى جلالة الملك نصره الله معالم الدولة الإجتماعية، ويتجلى ذلك من خلال الأوراش المتعددة والمتقاطرة ذات الطابع الإجتماعي بامتياز.
ويقصد بالدولة الإجتماعية تدخل الأخيرة في حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، ومما لا شك فيه أن المغرب سار فعلا في هذا المضمار، فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، برنامج راميد، دعم الأرامل، تيسير، مليون محفظة، دعم السكن، تعميم التغطية الصحية، الدعم الاجتماعي المباشر… كلها أوراش ملكية كبرى جعلت من المغرب دولة اجتماعية بامتياز، متدخلة ومسؤولة عن الحاجيات الأساسية والضرورية للمواطن المغربي.
13- نشأة الدولة الصناعية وتفوقها في قطاع صناعة السيارات والطائرات: لما كانت الثورة الصناعية مطلع القرن التاسع عشر لها دور محوري في بناء الاقتصاد الأوربي، أصبح الكل يراهن على هذا الجانب بغية تعزيز اقتصاده وتقويته، والمغرب لم يخرج عن هذا السياق، إذ أطلق جلالة الملك مشاريع صناعية كبرى تهم السيارات والطائرات، ولا يخفى عن أحد أن المغرب أصبح يضاهي دول عظمى(كالصين والهند) في صناعة وتصدير السيارات، إذ تصل الطاقة الإنتاجية في هذا المضمار نحو 700 ألف سيارة سنويا تُصدر منها 90%، فانتقل المغرب بعد هذا من تقنية التركيب والتجميع(مصانع رونو، بيجو،سيطروين…) إلى إنتاج محلي 100% (سيارة الهيدروجين نامكس، من طرف شركة مغربية برأسمال مغربي.
أما الطائرات فالمغرب وبحكم موقعه الجيوستراتيجي، ونظرا للدعم المقدم للشركات الناشطة في هذا المجال وكذا توفر اليد العاملة المتخصصة بالمغرب، أصبح الأخير وجهة مستهدفة من طرف الشركات الضخمة في العالم( بوينغ، إيرباص، بومباري وسافرت)، هذا ناهيك عن شركات أخرى في طور تأسيس فروعها بالمغرب من أمريكا و غيرها.
14- تأهيل المقاولات الوطنية ودمجها في الاستثمارات الدولية: إن إسعاف المقاولة ودمجها في محيطها الإقليمي والدولي لمن الأولويات الكبرى لدى المغرب، ويتمظهر ذلك في البرامج والتحفيزات التي تم إطلاقها، سواء تلك المتعلقة بالتعديلات التي طالت الترسانة التشريعية والقضائية(قانون المال والأعمال، محاكم تجارية متخصصة، مكنة التحكيم في المنازعات التجارية بدل القضاء الرسمي…)، أو تلك المتعلقة ببرامج دعم ومواكبة المقاولة الصغرى والمتوسطة.
ومن البرامج المقاولاتية في هذا المضمار؛ إحداث المقاولات بشكل إلكتروني، السجل التجاري الالكتروني، إيداع القوائم التركيبة والمحاسباتية بشكل إلكتروني، هذا ناهيك عن برامج الدعم المالي كبرامج استثمار/مواكبة/تطوير/نواة.. إضافة إلى التحفيزات الجبائية والجمركية وكذلك البنكية….
ومما لا جدال فيه أن برامج الدولة الرامية إلى تأهيل المقاولات الوطنية ودعم استمراريتها،حسب الرؤية الملكية السامية ستجعل من الأخيرة قوة اقتصادية ضاربة وتنفاسية للمقاولات العالمية.
15- تأسيس مراكز ومعاهد رياضية ساهمت في تجويد النتائج الرياضية: دشن المغرب في عهد الملك محمد السادس نصره الله مفهوما جديدا للفعل الرياضي، هذا المفهوم من ركائزه التكوين والتأطير والمواكبة، ومن خلال المسار الرياضي للمغرب نلحظ أن الأخير حقق منجزات تاريخية في هذا المضمار (مونديال قطر). يأتي هذا النجاح نتيجة لجهود مؤسسات التكوين الرياضي، كأكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي كان لها الفضل الكبير في إنتاج مواهب رياضية كنايف أكرد، عز دين اوناحي، ياسين بونو…. سهامت هذه المواهب في نجاح المنتخب الوطني إبان إقصائيات مونديال قطر، وعزم المغرب إثر هذا بمباركة مولوية سامية على إحداث خمس أكاديميات رياضية كروية بكل من السعيدية، إفران، القصر الكبير، أكادير وسطات.
هذا ولم يقتصر المغرب على معاهد رياضية عملية فقط، بل ارتقى بالفعل الرياضي إلى مستوى أكاديمي(بغية تكوين أطر رياضية ذات كفاءة عالية) حيث تم إحداث المعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة (يضم عدة مراكز رياضية)، إضافة إلى معاهد ومدارس التكوين في الرياضة والتربية البدينة. إن هذا التزاوج بين التكوينين العملي والنظري سيجعل من المغرب أنموذجا رياضيا بامتياز .. حسب الرؤية الملكية السامية لهذا القطاع .
16- تأهيل الموانئ الوطنية: أضحت الرؤية الملكية السامية لسياسة المينائية بالمغرب من الأولويات الثابتة، نظرا لما لها من وقع إيجابي على تعزيز تنافسية اقتصادنا، ويتوفر المغرب حاليا على ما يناهز الثمان وثلاثون ميناءً منها ما هو تجاري صرف، ومنها ما يندرج في إطار محاطات العبور كما تبقى أخرى ذات طابع ترفيهي.
ونظرا للموقع الجيوستراتيجي للمغرب (واجهتن بحريتين)، أضحى تأهيل الموانئ أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، خصوصا مع نجاح تجربة ميناء طنجة المتوسطي( الذي يعد أضخم ميناء على المستوى القاري).
هكذا، وبتعليمات ملكية سامية أَطلق المغرب الاستراتيجية الوطنية للموانئ 2030 تهدف أساسا إلى خلق ست أقطاب مينائية بكل من (الناظور، طنجة، الدار البيضاء، أسفي، أكادير، طانطان إلى الداخلة)، وذلك تماشيا مع الورش الترابي للجهوية المتقدمة.
كما تهدف الاستراتيجية المذكورة إلى احتلال مكانة بارزة في سوق المسافنة على مستوى البحر الأبيض المتوسط، وكذا الإنخراط الجاد في سوق التجارة الدولية على اعتبار المغرب بوابة لأوربا في مبادلاتها التجارية مع العمق الإفريقي.
17- نشأة سوق مالي قوي ببورصة الدار البيضاء.
تعد بورصة الدار البيضاء سوقا ماليا وحيدا وفريدا بالمغرب، وهي ثاني أكبر بورصة على المستوى القاري، يتم في إطارها تداول الأسهم والسندات في إطار ما بات يعرف بسوق الأوراق المالية/ القيم المنقولة.
وتماشيا مع عولمة الإقتصاد، انخرطت بورصة البيضاء في تقنية الرقمنة والانترنت، إذ أصبحت جميع المعاملات المالية تتم عبر الإنترنت دون حاجة للتنقل إلى مقرها الإجتماعي، وهو ما سيجعل السوق المالي بالمغرب محط أنظار المستثمرين الأجانب بخاصة، الشئ الذي سينعكس إيجابا على الدورة الإقتصادية.
18 – مشاريع ملكية ببصمات عالمية (برج محمد السادس- مسرح محمد السادس..): ملكنا الهمام، وبعد تدشينه لمشاريع عدة ذات طابع اجتماعي اقتصادي، آثر أن يخوض غمارا من نوع آخر، يتعلق الأمر بمشاريع تُجسد الحس الإبداعي لجلالة الملك، وتُؤسس بشكل متين لفكرة المدن الذكية، يتعلق الأمر مثالا لا حصرا ببرج محمد السادس ومسرح محمد السادس، ومما لا ريب فيه أن هذه الانجازات تحاكي المنشآت العالمية العملاقة كدولة الصين واليابان وأمريكا..، ما سيجعل المغرب ضمن لائحة الدول الرائدة على المستوى العمراني…
19- حضور إفريقي ملكي وازن ببعد سياسي اقتصادي اجتماعي ديني وتاريخي: شكلت عودة المغرب للاتحاد الإفريقي استئنافا جديدا للعلاقات المغربية الإفريقية، وهذا الاستئناف يجسد بالواضح والملموس البعد التاريخي للمغرب مع قارته السمراء، حيث بعد هذا الحدث أصبحت العلاقات المغربية الإفريقية أكثر قوة وصلابة.
ويتجلى ذلك(على المستوى السياسي) في الاعترافات المتتالية للدول الإفريقية بمغربية الصحراء، وما ترتب عن ذلك من إحداث قنصليات وسفارات تابعة لها فوق تراب أقاليمنا الجنوبية، هذا ناهيك عن اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتي طالت القطاع التجاري والبنكي وغيرها، ذلك أن المغرب يعتبر أكبر مستثمر في غرب إفريقيا والثاني على مستوى القارة.
كما أن البعد الديني الروحي الإفريقي المغربي ظل حاضرا وبقوة خصوصا بعد انتشار فروع بعض الزوايا الصوفية لدى الدول الإفريقية، واعتبر بعض المتصوفة الأفارقة أن جلالة الملك أميرا للمؤمنين ومرجعا دينيا وزعيما روحيا لهم، ويتجسد البعد الديني كذلك في التكوين الديني الذي يهم الطلبة والقيمين الأفارقة بالمغرب….
كل ما سبق يجسد الإرادة الملكية السامية والرامية إلى جعل القارة الإفريقية قارة مزدهرة ومستقرة.
20- انخراط دولي في مشروع ملكي واعد يهدف لخلق منطقة استثمار بالساحل الإفريقي الأطلسي: اتفاقية التعاون جنوب-جنوب، قائمة أساسا على معادلة رابح-رابح، وهكذا نهج المغرب بمبادرة ملكية سامية إلى خلق تعاون غير مسبوق مع دول الساحل (بوركينافاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، النيجر)، إذ تهدف الإرادة الملكية إلى خلق قوة إقليمية إفريقية تضاهي القوى الكبرى عبر العالم.
يهدف هذا المشروع الملكي إلى إبرام اتفاقيات تعاون من جهة، ومن جهة أخرى تسهيل ولوج دول الساحل إلى الحوض الأطلسي وذلك دعما لاقتصادها وكذا ضمان استقلاليتها عن الدول الغربية التي امتصت ثرواتها عبر سنوات.
إن هذا التكتل الإقليمي الذي أقامه المغرب مع دول الساحل سيجعل من القارة الإفريقية قوة اقتصادية مستقلة، كما سيكون لما سبق تداعيات سياسية اقتصادية وأمنية لفائدة مغربنا الحبيب.. بفضل هذه الرؤية الملكية المتبصرة و الحكيمة لهذا الورش الإفريقي العظيم .
تبقى هذه الثمالة مجرد محاولة بسيطة في تجميع نقط عريضة حول أوراش ملكية كبيرى و عظيمة و زاهرة مزدهرة طبعت ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس نصره الله .. و هي أوراش جعلت من المغرب اليوم قبلة لرجال المال و الأعمال و الاسثتمار .. كما جعلت منه أرض السلام و الأمن العالميين.
و الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده.
مقال بقلم: د. عبد النبي عيدودي