15% مجانية… بين وعود الوزارة وواقع الأطفال في أول يوم دراسي.

7 سبتمبر 2025
15% مجانية… بين وعود الوزارة وواقع الأطفال في أول يوم دراسي.

إدريس سحنون 

بين العدالة المعلبة والنوايا الحسنة، يقبض الأطفال على جمر انتظار فرص حقيقية مع انطلاق الموسم الدراسي.

غدا، الاثنين 8 شتنبر 2025، تفتح المدارس المغربية أبوابها لموسم دراسي جديد، وتستيقظ المدن والقرى على أصوات الحقائب المدرسية وصفارات الحافلات، بينما تستيقظ الأسئلة الكبرى أيضا: هل ستنجح منظومتنا التربوية هذه المرة في أن تكون مدرسة للجميع فعلا، لا شعارا للاستهلاك؟

وفي هذا السياق وفي ركن ما من ردهات وزارة التربية الوطنية، على طاولة تعج بالمراسلات المؤجلة، ومذكرات “التعليم المنصف” التي لم ينصفها الزمن،ووسط ضجيج المذكرات التنظيمية الخاصة بالدخول المدرسي، يقبع مرسوم جديد… يحمل رقم 2.24.487،  ويتردد في الخروج إلى الوجود بوقار قانوني منتفخ. أما الأب الشرعي لهذا المولود، فهي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، التي لا تقصر في إنجاب نصوص مترهلة.

المرسوم، في ظاهره، يلمع كبريق “حق مشروع” و”حماية مكتسبة”، يمني الأسر المنسية بيوم تعليمي مشرق، ويغري مؤسسات التعليم الخصوصي بقواعد لعب عادلة. لكن ما إن يحتك بالواقع المدرسي بنصوصه، حتى ينطفئ البريق، ويتحول إلى مجرد مصباح إداري بلا تيار.

هو مرسوم يشبه أريكة وثيرة في صالة انتظار عمومية: أنيقة المظهر، مريحة للجلوس، لكنها لا تحملك إلى أي مكان. 

يطلب المرسوم من المؤسسات الخصوصية أن تفرغ 15% من مقاعدها للمجانية، ويملأ بعضها بابتسامة عريضة وممتنة. لكن المجانية لا تأتي عبر دعم الدولة أو شراكة واضحة، بل تطبخ في مطبخ الإدارة كحلم وردي على أرض رمادية.

إنه منفاخ في قربة مثقوبة، وضجيج في واد مقفر، يضج بالتنظيم والنيات الحسنة، في حين أن الواقع يرقص على حبال التوازن المالي وتنهكه المصاريف، وترهقه الفواتير.

تعليم مجاني؟ نعم، لكن بعد أن نفيق من الحلم. تعليم بلا تمويل يشبه من يطالب المقاهي بتوزيع القهوة مجانا مع الحفاظ على الجودة.

هو نص يشبه من يقرع الطبول في واد مقفر، فلا صوت يسمع، ولا صدى يرد. مرسوم لا يسير على قدمين، بل يمشي بعكاز بيروقراطي في طريق وعر، تتساقط على جانبيه المبادرات وتذبل فيه النوايا الحسنة. ووفق المرسوم 2.24.487، فإن 15% من مقاعد مؤسسات التعليم الخصوصي المخصصة للمجانية، تتوزع بين الأطفال المنتمين إلى الأسر المعوزة بنسبة 30%، والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بنسبة 30%، والأطفال في وضعيات خاصة بنسبة 40%. 

وفي قلب هذا الواقع، يسكن الأطفال المنتمين إلى الأسر المعوزة، على أطراف المدينة، حيث الطريق ترابية والضوء خافت ، وحيث لا تملك الأسرة الفقيرة سوى أحلام خجولة. وربما بالكاد توفر ما تشتري به كيس دقيق، لتجد نفسها مطالبة اليوم بإرسال وليدها إلى مؤسسة خصوصية مجهزة بملعب عشبي ومنطقة ألعاب خشبية. طفل قادم من عالم القصدير يطلب منه أن يتعايش مع عالم من الزجاج المصقول.

هل يملك هذا الطفل حذاء رياضيا لا يثقب كرامته حين تطأ قدماه الإسفلت؟ هل ستكون حقيبته من نفس نوعية ماركات زملائه؟ من سيغطي تنقله؟ هل سيتسلل إلى الحافلة المدرسية خلسة أم يرسل ملف طلب الاستفادة من “عربة حمار تربوية”؟

وماذا عن وجبة الغذاء؟ هل سيفتح علبته بجانب أطفال يتناولون طعاما معلبا وشوكولا نوتيلا، أم سينتظر انتهاء الاستراحة ليأكل خبزا حافيا بالشاي البارد في مكان قصي ؟

الاندماج هنا ليس مجرد مقعد أو تسجيل إداري، بل هوة ثقافية واجتماعية بين طفلين لا يختلفان في الذكاء، ولكن أحدهما يضحك بثقة، والآخر يختبئ في ظل الخجل.

ولنتخيل طفلا صغيرا ، على كرسي متحرك، أمام مدرسة خصوصية ذات باب ضخم وسلالم شاهقة. يهم بالدخول… فيصطدم بالواقع: لا ولوجيات ، لا مصعد، لا ممر، فقط درج ودرج ودرج، كل درجة كأنها عقبة قانونية متنكرة في زي معماري. و في أحسن الأحوال، سيطلب من الحارس أن يحمله بحذر، كما يحمل الحرج في التصريحات الرسمية. وفي أسوأها، ينصح بالالتحاق بمؤسسة أخرى أكثر دمجا… في كوكب آخر.

المرسوم يقول: “ادمجوه”، لكن الواقع يرد: بأي أدوات، بأي موارد، بأي كفاءات؟ هل نحمله عبء التكيف مع عالم غريب لا يرحمه؟

وماذا عن أولئك “الأطفال في وضعية خاصة ” ، الذين قرروا – من دون اختيار – أن يتعلموا الحياة خارج جدران المدرسة، من المقاهي الصغيرة والحقول الواسعة والمعارك المنزلية. تعلموا جدول الضرب من ضربات الحياة، وقواعد اللغة من كلام الزنقة، والتاريخ من حكايات الجدات قبل النوم؟.

إنهم كالنجوم في سماء ملبدة بالغيوم، لا تضيء دربهم. الفقر، البعد الجغرافي، التفكك الأسري… كل هذه العوائق وضعتهم خارج اللعبة، قبل أن يطالبهم المجتمع بالاندماج. هؤلاء الأطفال لا يحتاجون إلى الشفقة، بل إلى فرصة ليكونوا تلاميذ لا حالات اجتماعية.

مع انطلاق السنة الدراسية غدا الاثنين ، يبقى السؤال الحقيقي: هل سيجد هؤلاء الأطفال، من الأسر المعوزة، ومنهم في وضعية إعاقة، ومن ذوي الوضعيات الخاصة، فرصتهم الحقيقية؟ أم ستبقى النوايا الحسنة على الورق، والعدالة المعلبة مجرد شعار أمام واقع مرير؟

المرسوم لم يجب عن هذا، لكن الأطفال لا يزالون ينتظرون المصعد، والمدير لا يزال ينتظر الأوامر ، والحارس لا يزال ينتظر التعليمات، والجميع لا يزال ينتظر جودو وزاري… الذي لم يأت بعد بجديد ينصف الجميع .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.


Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept