زنقة36_غزة مجيد
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تحولت هذه المساحات الرقمية إلى ساحة للمواجهات غير المتكافئة. هناك، خلف شاشات الحواسيب والهواتف الذكية، يختبئ البعض تحت أقنعة زائفة، يمارسون التنمر والقذف بلا رادع. أين كنتم عندما كان الآخرون يتعرضون للقذف والسب؟
إن من يقفون خلف شاشاتهم، ربما بدافع الحسد أو الحقد الكامن في نفوسهم، كانوا يغذون هذا الظلم بطرق مباشرة أو غير مباشرة. كانوا يتلذذون برؤية الآخرين يتعرضون للإهانة، يستمتعون بكل لحظة من معاناة الآخرين، دون أن يرف لهم جفن. ألم تسألوا أنفسكم يومًا، ماذا لو كنتم أنتم في نفس الموقف؟
واليوم، بعدما انقلبت الأدوار، نجد هؤلاء الذين كانوا يشاهدون ويشاركون في سقوط الآخرين، يستنجدون ويصرخون، يطالبون بتدخل السلطات لإنقاذهم من نفس الوحش الذي ساعدوا في تغذيته. أين كانت شجاعتكم حين كان الآخرون يعانون؟ لماذا لم تتحركوا لإيقاف الظلم عندما كنتم قادرين على ذلك؟ أين كانت إنسانيتكم عندما كنتم تتلذذون بمشاهد التنمر وتقتلون الوقت في المقاهي، تنخرون في الأجساد بالكلمات القاسية والانتقادات الجارحة؟
لنأخذ لحظة للتفكير في الحالات التي مررنا بها جميعًا. تلك الفتاة التي تعرضت لحملة تنمر إلكتروني بسبب اختلافها أو خلفيتها الاجتماعية، أين كنتم؟ هل كنتم تضيفون المزيد من التعليقات القاسية، أم كنتم تكتفون بمراقبة المشهد بصمت بينما تحتسون القهوة في المقاهي؟ أو ربما ذلك الرجل الذي تعرض للهجوم لأنه لم يتوافق مع معاييركم الضيقة، هل كنتم تدعمون الهجوم بحجة أنه يستحق ذلك، بينما كنتم تستمتعون بجلساتكم وهمساتكم الساخرة؟
أين كنتم عندما كانت سهام الظلم تُوجه إلى الآخرين؟ كنتم خلف شاشاتكم، تضحكون، تشجعون، أو على الأقل تتجاهلون الألم الذي كان يُلحق بالضحايا. وها قد جاء اليوم الذي تجنون فيه ثمار ما زرعتم. اليوم، وقد أصبحتم أنتم المستهدفين، هل لا زلتم تضحكون؟ هل لا زلتم تجدون في المعاناة مصدرًا للمتعة؟
الآن، بعد أن أصبحتم أنتم الضحايا، تحاولون الاستنجاد، تطلبون الرحمة ممن لم ترحموهم من قبل. أين اختفت قوتكم الزائفة؟ أين اختفى دعمكم لبعضكم البعض حينما كانت سهام القسوة موجهة إلى الآخرين؟
هذه اللحظة هي فرصتكم لتذوق مرارة الظلم الذي ساهمتم في تغذيته. أين كنتم حين كان الآخرون يصرخون ويطلبون الرحمة؟الآن، وأنتم محاصرون بأشباح الألم التي ساعدتم في إطلاقها، جاء الوقت لتتعلموا أن ما تزرعونه في العالم الافتراضي قد يعود ليطاردكم في الواقع.
سِينٰكُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. دعوا هذه الكلمات تكون درسًا لكم ولغيركم، ليعلم الجميع أن الصمت على الظلم أو المشاركة فيه هو طريق مؤكد نحو الألم والعذاب.